أمّا المطلب الأول؛ فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال: " لا تبادروني بركوع و لا بسجود، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تُدركوني به إذا رفعت، إنّي قد بدَّنت "
رواه أحمد (4/ 92 و 98) و أبو داود (615) و اللفظ له، و ابن ماجه (963) و الدرمي (1321) و ابن الجارود (324) و ابن خزيمة (1594) و غيرهم، كلهم من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
و قوله: " بدّنت " أي كبرت و ضعفت.
كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها: " أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم كان يصلي جالسًا فيقرأ و هو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية، قام فقرأ و هو قائم، ثم ركع، ثم سجد , ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك "
قولها: " ثم يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك " أي أنه لا يقوم إلى الركعة الثانية، و لكنه يبقى جالسا، ليفعل ما فعل في الركعة الأولى.
و عنها أيضا: " أنها لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعدا قط حتى أسن فكان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع "
و الحديثان مخرجان في الصحيحين.
و روى مسلم عنها كذلك أنها قالت: " لما بدّن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالسًا "
و عن حفصة رضي الله عنها أنها قالت: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعدا حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعدا وكان يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها ".
هذه الأحاديث قرائن قوية على أنّ تلك الجلسة – إن ثبتت عنه – لم يكن يقصد بها القربة، و إنما كانت لحاجة بسبب الضعف و الإسنان. سيما إذا ذكرنا أنّ مالك بن الحويرث رضي الله عنه كان قد وفد عليه في العام الذي قُبض فيه. و كان شابا حدثا، مكث عنده نحوًا من عشرين ليلة.
و أمّا المطلب الثاني؛ و هو كونه – صلى الله عليه و سلم – لم يكن يأت بتلك الجلسة في صلواته، في الحالات العادية، فالأحاديث في ذلك أكثر من أن تُحصى، و أبعد من أن تُستقصى ...
و هذه طائفة منها:
- عن نعيم المجمر قال: " صليت وراء أبي هريرة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ ولا الضالين فقال: آمين فقال الناس: آمين، فلما ركع قال: الله أكبر، فلما رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال: الله أكبر، ثم سجد فلما رفع قال: الله أكبر، فلما سجد قال: الله أكبر، ثم استقبل قائما مع التكبير، فلما قام من الثنتين قال: الله أكبر فلما سلم، قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. "
خرّجه بهذا اللفظ، ابن خزيمة في صحيحه (688).
و رواه ابن حبان في صحيحه (1797) من وجه آخر بلفظ: " فلمّا سجد قال: الله أكبر، فلمّا رفع قال: الله أكبر؛ ثم استقبل قائمًا مع التكبير ... "
و الحديث خرجه البخاري من وجه آخر برقم (789)، و بوّب عليه: " باب التكبير إذا قام من السجود "، وهذا ظاهر لا غبار عليه، و لا يفهم من الحديث غير هذا.
و رواه في باب:" يهوي بالتكبير حين يسجد "، بلفظ: " ... ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود ... ويفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة، ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا "
و رواه مسلم في باب:" إثبات التكبير ... " (390) بلفظ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس ثم يقول أبو هريرة إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم "
¥