و عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه، قال: " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العتمة فقلت يا رسول الله أئذن لي أن اتعبد بعبادتك ... (إلى أن قال): ... ثم كبر فسجد فسمعته يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ويردد شفتيه فأظن انه يقول وبحمده فمكث في سجوده قريبا من قيامه ثم نهض حين فرغ من سجدتيه فقرا فاتحة الكتاب ثم استفتح آل عمران لا يمر بأية رحمة الا سأل ولا أية خوف الا استعاذ ولا مثل الا فكر حتى ختمها ثم فعل في الركوع والسجود كفعله الأول ثم سمعت النداء بالفجر قال حذيفة فما تعبدت عبادة كانت أشد علي منها " رواه في مسند الحارث (241) قال الهيثمي (1/ 346): هو في الصحيح باختصار.
فهذه هي صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي واظب عليها و تلقّاها عنه جِلّة أصحابه رضوان الله عليهم. و مهما استقصيت في البحث فلن تجد غيرها. و قد أوجزها البراء بن عازب رضي الله عنه فقال:
" رمقتُ محمدًا صلى الله عليه و سلم في صلاته، فوجدته قيامه، و ركعته، و اعتداله بعد الركوع، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته، فجلسته بين التسليم و الإنصراف، قريبًا من السّواء."
رواه مسلم (471) باب اعتدال أركان الصلاة و تخفيفها في تمام. وهو عند البخاري (792) بلفظ: " كان ركوع النبي صلى الله عليه و سلم و سجوده، و بين السجدتين، و إذا رفع من الركوع – ما خلا القيام و القعود – قريبا من السواء "
فهذه هي الصلاة المشروعة و هيئاتها المسنونة، ليس فيها شيء اسمه
(جلسة اإستراحة): قيام للقراءة ... فركوع ... فرفع منه ... فسجود ... فجلوس ... فسجود ... فقعود للتشهد ... على هذا تواطأت الأحاديث و تعاضدت الآثار.
و هي الصلاة ذاتها التي كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يُعلمها أُمّته، كما في حديث المسيء صلاته الذي رواه الأئمة، و فيه: " … ثمّ اسجد حتى تطمئنّ ساجدًا، ثمّ ارفع حتى تطمئنّ جالسًا، ثمّ اسجدْ حتى تطمئنّ ساجدًا، ثمّ قُمْ … "، و في لفظ: " حتى تستويَ قائمًا ".
و مع أنه قد تقرر في الأصول أنّ قوله – صلى الله عليه و سلم – الذي يُعلّمه الأمة مُقدّمٌ على فعله المجرد، إلاّ أنّ ثمّة مَن يعترض فيقول: كيف تُذكر جِلسة الإستراحة في حديث المسيء صلاته، الذي علّمه النبي صلى الله عليه و سلم فيه الواجبات دون السُّنن و المستحبات؟
و هذا أمرٌ قد درج عليه بعض أهل العلم، أعني كون كلّ ما ورد في حديث المسيء صلاته هو من الواجبات. و فيه نظر، كيف؟ و قد ورد في آخر الحديث: " و كانت هذه أهونَ عليهم من الأولى؛ أنّ من انتقص مِن ذلك شيئًا انتقص من صلاته و لم يذهبْ كلها" ابن خزيمة (545)، و الترمذي (302)، الطيالسي (1/ 196).
و في حديث للنسائي في (الكبرى) (1631)، قوله صلى الله عليه و سلم: " فإذا فعلتَ ذلك فقد تمّت صلاتك، و إن انتقصتَ منه شيئًا انتُقص من صلاتك، و لم تذهب كلها"
فالحق، أنّ الحديث سيق في مقام التعليم و الإرشاد إلى ما يحصل به التّمام، و ذلك باجتماع الفرائض و السنن معًا. و هذه بعض ألفاظه:
" فإذا استويت قائمًا قرأتَ بأمّ القرآن، ثمّ قرأت بما معك من القرآن …" رواه البيهقي في السنن من حديث أبي هريرة (3763) و عزاه الحافظ لأحمد و ابن حبان.
و فيه: قراءة شيء من القرآن مع الفاتحة، و هو سنّة.
و من حديث رفاعة بن رافع (3764) و فيه:
" ثمّ اقرأ بأمّ القرآن و بما شاء الله أن تقرأ، و إذا ركعت فضَعْ راحتيك على ركبتيك و امددْ ظهرك ( ... ) فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى "
و فيه: الأمر بوضع الراحتين على الركبتين، و هو مِن تعليم الكيفيات الذي لا يدل على الوجوب، كما تقرر في الأصول، تقول: كيف أغسل ثوبي و أحمل متاعي؟ فيقول المسئول: افعل كذا.غير مريد لإيجاب ذلك عليك. انظر (الروضة الندية 1/ 104)، و قد كان عبد الله بن مسعود و أصحابه يطبقون، و كان علي رضي الله عنه يقول بالتخيير بين الإطباق و الإمساك بالركب.
و في رواية لأبي داود (857) و الحاكم (881) وصححه و وافقه الذهبي:
" إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء يعني مواضعه ثم يكبر ويحمد الله جل وعز ويثني عليه ويقرأ بما تيسر من القرآن ... "
و فيه الأمر بدعاء الإستفتاح، و هو من فضائل الصلاة.
¥