الأخ البيطار: يلاحظ فيما كتبت أنك خلطت بين مسألة المذي ومسألة (رطوبة الفرج) التي ورد فيها أثر عائشة، ومشاركتي اليوم في مقال كتبته قديما حول هذا الأثر واختلاف العلماء على دلالته، فقد استدل به البيهقي في سننه على نجاسة الرطوبة، واستدل بها الحافظ على الطهارة، وهذه هي المشاركة:
(تنبيه): في الاستدلال بأثر عائشة بين البيهقي والحافظ
قال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 34):
(فائدة):
لم يذكر الرافعي الدليل على طهارة رطوبة فرج المرأة، وقد روى ابن خزيمة في صحيحه من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت " تتخذ المرأة الخرقة فإذا فرغ زوجها ناولته فمسح عنه الأذى، ومسحت عنها ثم صليا في ثوبيهما " موقوف.
ومن طريق يحيى بن سعيد عن القاسم سئلت عائشة عن الرجل يأتي أهله ثم يلبس الثوب فيعرق فيه؟ قالت: "كانت المرأة تعد خرقة، فإذا كان مسح بها الرجل الأذى عنه، ولم ير أن ذلك ينجسه " اهـ
قال أبو عبد الباري: هذا الذي قاله الحافظ من الاستدلال بأثر عائشة على الطهارة قال بعكسه البيهقي من قبل في سننه الكبرى (2/ 411) فاستدل بهذا الأثر على نجاسة رطوبة فرج المرأة، حيث أسند الأثر في باب رطوبة فرج المرأة من كتاب الصلاة، باب الأنجاس، أسنده من طريق الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة بلفظ " ينبغي للمرأة إذا كانت عاقلة أن تتخذ خرقة، فإذا جامعها زوجها ناولته، فيمسح بها عنه ثم تمسح عنها فيصليان في ثوبهما ذلك ما لم تصبه جنابة ".
وأسنده من طريق يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة بلفظ " إن المرأة تعد لزوجها خرقة فامتسح بها الأذى حتى لا يصيب الثوب فإذا فعل ذلك فليصل فيه اهـ.
قال أبو عبد الباري: النزاع في هذا الأثر بين الوقف والرفع: والصحيح الوقف
وذلك أن ابن خزيمة روى في صحيحه (رقم 279) عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سقيان عن يحيى بن سعيد به.
والجواب عنه من وجهين:
الوجه الأول: أنه لا يصح أن يكون مرجع الضمير في لفظة " ولم ير " إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدلالة الروايات الأخرى للأثر، وبيان ذلك كما يلي:
فقد روي الأثر عن القاسم بن عبد الرحمن عن عائشة من طريقين:
أولهما: عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه به باللفظ المتقدم.
رواه ابن خزيمة والبيهقي من طريق الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم به. وسنده صحيح وليس فيه ذكر النجاسة.
ورواه الطحاوي في المعاني من طرق عن شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت في المني يصيب إذا أصاب الثوب: إذا رأيته فاغسله وإن لم تره فانضحه " اهـ ().
ثانيهما: يحيى بن سعيد عن القاسم به.
وله عنه طريقان:
الأول: الليث بن سعد.
رواه البيهقي أن عائشة سئلت عن الثوب يجامع الرجل أهله هل يصلي فيه؟ قالت:" إن المرأة تعد لزوجها خرقة فامتسح بها الأذى حتى لا يصيب الثوب، فإذا فعل ذلك فليصل فيه " اهـ ().
الثاني: ابن عيينة.
واختلف عليه رحمه الله تعالى في لفظ الأثر فرواه عنه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ" أنها كانت لا ترى بعرق الجنب والحائض بأسا" ().
ورواه عمرو بن عون عند الدارمي بلفظ " سئلت عن الرجل يصيب المرأة ثم يلبس الثوب فيعرق فيه فلم تر به بأسا " ().
ورواه ابن المنذرمن طريق الحجاج بن المنهال عنه به بلفظ " سئلت عن الجنب يعرق في الثوب أينجسه ذلك؟ قالت: لا " ().
ورواه عنه عبد الرزاق بلفظ "قد كانت المرأة إذا كان ذلك تعد خرقة أو الخرق فتمسح به ويمسح به يعني تصلي فيه" ().
ورواه عنه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عند ابن خزيمة باللفظ المتقدم ()
تحقيق القول في أثر عائشة: رواية ودراية
هذه هي الروايات التي وقفت عليها وطرقها، وعند المقارنة فيما بينها يتضح أن الرفع غير صحيح وإنما هو موقوف، وهي رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه وهي أيضا رواية الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد، وإنما الاختلاف في رواية ابن عيينة عن يحيى بن سعيد، وأكثر الرواة عنه وهم ابن أبي شيبة في مصنفه والحجاج بن المنهال عند ابن المنذر وعمرو بن عون عند الدارميعلى الوقف.
وخالفهم سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وعبد الرزاق فقالا عن ابن عيينة بما يوهم الرفع، ولا شك أن رواية الثلاثة الموافقة لرواية الليث بن سعد المتابع لابن عيينة، ورواية ابن القاسم المتابع ليحيى بن سعيد أولى من رواية عبد الرزاق والمخزومي عن ابن عيينة، فالصواب في هذا الأثر الوقف والله أعلم.
الوجه الثاني: أن كلام عائشة ينصب في غالب الروايات على عرق الجنب، وأنه لا ينجس بسبب اختلاطه بما قد يكون تبقى في المحل الممسوح منه أثر ما فاض بين الزوجين من المني وغيره، وهذا هو الذي فهم منه معظم من رواه من الأئمة، وعليها تبويباتهم:
فقال ابن أبي شيبة في مصنفه (في الجنب يعرق في الثوب).
وقال عبد الرزاق في مصنفه (باب الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه ويعرق فيه الجنب).
وقال ابن المنذر في الأوسط (2/ 177) " ذكر عرق الجنب والحائض "
وقال الدارمي (باب في عرق الجنب والحائض)
وقال ابن خزيمة (باب الرخصة في غسل الثوب من عرق الجنب والدليل على أن عرق الجنب طاهر غير نجس).
وخلاصة القول: أن هذا الأثر من كلام عائشة وفتواها رضي الله عنها لا من الحديث المرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم الأثر أقرب إلى دلالته على النجاسة منه إلى الطهارة لما هو واضح في أكثر ألفاظ الأثر من اشتراط المسح والتنظيف.
¥