وأخرج مسلم (1\ 247 #303): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع وأبو معاوية وهشيم، عن الأعمش، عن منذر بن يعلى –ويكنى أبا يعلى–، عن ابن الحنفية، عن علي قال: كنت رجلاً مذاء، وكنت أستحيي أن أسأل النبي ? لمكان ابنته. فأمرت المقداد بن الأسود، فسأله، فقال: «يغسل ذكره ويتوضأ».
وحدثنا يحيى، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا شعبة، أخبرني سليمان، قال: سمعت منذراً، عن محمد بن علي، عن علي أنه قال: استحييت أن أسأل النبي ? عن المذي من أجل فاطمة، فأمرت المقداد فسأله فقال: «منه الوضوء».
وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا: حدثنا بن وهب، أخبرني مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن بن عباس قال: قال علي بن أبي طالب: أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله ? فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به؟ فقال رسول الله ?: «توضأ، وانضح فرجك».
فأصح الروايات هو أن «يغسل ذكره ويتوضأ». وقد جاء في إحدى روايات الحديث «يغسل أنثييه وذكره». قال ابن حجر في تلخيص الحبير (1\ 117): «رواه أبو عوانة في صحيحه من حديث عبيدة عن علي بالزيادة، وإسناده لا مطعن فيه». قلت: رواه إسحاق بن راهويه من هذا الطريق وليس فيه تلك الزيادة.
أخرج أبو داود (1\ 54) و ابن الجارود (1\ 14) من طريق: (ثقة حافظ) قال ثني معاوية بن صالح (جيد) عن العلاء بن الحارث (فقيه جيد) عن حرام بن حكيم (جيد) عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري ? قال: سألت رسول الله ? عما يوجب الغسل (وهو المني) وعن الماء (المذي) يكون بعد الماء (المني)، فقال: «وأما الماء بعد الماء: هو المذي. وكل فَحْلٍ يمذي. فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك (أي خصيتيك)، وتوضأ وضوءك للصلاة». قال ابن حجر في تلخيص الحبير (1\ 117): «في إسناده ضعف، وقد حسنه الترمذي». قلت: لا أعلم فيه علة إلا جهالة حرام بن حكيم، وقد وثقه العجلي لكن لا عبرة به لإفراطه بتوثيق المجاهيل، ووثقه دحيم وغالبا توثيقه يفيد العدالة دون الضبط، وروى عنه جماعة.
قال المخالفون: الأصل في الأمر الوجوب، إلا بقرينة تصرفه عن الوجوب. قلنا: أما الأمر بغسله بالماء، فيُحمل على الاستحباب. فكما أن المني قد شبهه ابن عباس ? بأنه كالبصاق والمخاط (أي في حكم إزالته)، فمن الأولى حمل ذلك على المذي كذلك قياساً على المني. قال إمام الأئمة ابن خزيمة في صحيحه (1\ 16): «باب ذكر الدليل على أن الأمر بغسل الفرج ونضحه من المذي أمر ندب وإرشاد، لا أمر فريضة وإيجاب».
ثم إن الحديث ليس صريحاً حتى في غسل المذي. فهو لم يقل اغسل ما أصاب المذي من جسمك وثوبك. بل قال «واغسل ذكرك». وقد اختلف العلماء في فهم هذه الجملة. فمنهم من حملها على حرفيتها. ومنهم من قال أن كلمة ذكرك تشمل كل فرجه، أي ما تلوث بالمذي وما لم يتلوث.
قال المخالفون: لاشك أن سبب الأمر بغسل الذكر هو وجود المذي، وإلا ما الفائدة من الأمر بغسله؟ قلنا: قد أجاب علماء الأحناف عن هذا السؤال. إذ قال المحدث الطحاوي: «لم يكن الأمر بغسله، لوجوب غسله كله، بل ليتقلص فيبطل خروجه. كما في الضرع إذا غسل بالماء البارد، يتفرق لبنه إلى داخل الضرع، فينقطع بخروجه». قلت: فيمتنع على هذا نجاسة المذي، لأن الأمر لا يكون لغسل ما أصاب المذي، وإنما الأمر لغسل كل الفرج لإطفاء الشهوة. وسبب إطفاء الشهوة ظاهرٌ، وهو إيقاف المذي عن الخروج، حتى لا ينتقض الوضوء مرة أخرى. قال أبو المحاسن الحنفي في معتصر المختصر (1\ 14): «فالأمر بغسل الذكر، ليتقلص المذي وينقطع، كالأمر بنضح ضرع الهدي بالماء، لئلا يسيل اللبن. وليس بواجب. دل عليه ما روي عن النبي ? متواتراً من قوله "فيه الوضوء". فأخبر بالواجب. وفيه ما ينفي أن يكون فيه واجبٌ سواء».
ثم إن القاعدة الأصولية تقول: «إن الجواب بعد السؤال لا يقتضي الوجوب». والمعنى أن أمر النبي ? بغسل ما أصابه، ليس على الوجوب لأنه جاء بعد سؤال. ولا يدل على نجاسته أيضاً، لأن سؤال المقداد، مثل سؤال من يسال عن المخاط والبزاق وما هو مثله إذا وقع. وهنا أيضاً مسألة المخاط وغيره: لما أمر النبي ? بحكّها من المسجد وذكر أنه لا يغفر لمن فعلها حتى يزيلها، هل أمره ذلك لنجاستها؟!
¥