الثاني: أن الصلاة ركن من أركان الإسلام، فوصف تاركها بالكفر يقتضي أنه الكفر المخرج من الإسلام. لأنه هدم ركناً من أركان الإسلام، بخلاف إطلاق الكفر على من فعل فعلاً من أفعال الكفر.
الثالث: أن هناك نصوصاً أخرى دلت على كفر تارك الصلاة كفرا مخرجا من الملة. فيجب حمل الكفر على ما دلت عليه لتتلاءم النصوص وتتفق.
الرابع: أن التعبير بالكفر مختلف. ففي ترك الصلاة قال: «بين الرجل وبين الشرك والكفر». فعبر بأل الدالة على أن المراد بالكفر حقيقة الكفر، بخلاف كلمة "كُفْر" منكراً أو كلمة "كَفَر" بلفظ الفعل. فإنه دال على أن هذا من الكفر، أو أنه كفر في هذه الفعلة. وليس هو الكفر المطلق المخرج عن الإسلام.
فإن قال قائل: ما هو الجواب عن الأدلة التي استدل بها من لا يرى كفر تارك الصلاة؟
قلنا: الجواب أن هذه الأدلة لم يأت فيها أن تارك الصلاة لا يكفر، أو أنه مؤمن أو أنه لا يدخل النار، أو أنه في الجنة. ونحو ذلك. ومن تأملها وجدها لا تخرج عن ثلاثة أقسام، كلها لا تعارض أدلة القائلين بأنه كفر.
القسم الأول: أحاديث ضعيفة غير صريحة حاول موردها أن يتعلق بها ولم يأت بطائل.
القسم الثاني: ما لا دليل فيه أصلا للمسألة. مثل استدلال بعضهم، بقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء:48). فإن تارك الصلاة مشرك بنص الحديث النبوي الذي في الصحيح. كذلك فإن معنى قوله تعالى: {ما دون ذلك} ما هو أقل من ذلك، وليس معناه ما سوى ذلك، بدليل أن من كذب بما أخبر الله به ورسوله، فهو كافر كفراً لا يغفر له وليس ذنبه من الشرك.
القسم الثالث: عام مخصوص بالأحاديث الدالة على كفر تارك الصلاة. مثل قوله r في حديث معاذ بن جبل: «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار». أو عام مقيد بما لا يمكن معه ترك الصلاة. مثل قوله r في حديث عتبان بن مالك: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله». فتقييد الإتيان بالشهادتين بإخلاص القصد، وصدق القلب، يمنعه من ترك الصلاة. فإذا كان صادقا في ابتغاء وجه الله، فلا بد أن يفعل ما يوصله إلى ذلك. ما ورد مقيدا بحال يعذر فيها بترك الصلاة. وما مر علي في هذا القسم أحاديث صحيحة أصلاً لأذكرها.
ثم يقال في الجمع بين أقوال الطرفين: أن من لم يصل ولا صلاة واحدة في حياته (مع إقراره بوجوبها) فلا يمكن تسميته بالمسلم. فتارك الصلاة كلية كفار. ومن ترك بعضها كسلاً، فهو في مشيئة الله. أما من طلب منه القاضي أن يصلي وإلا يُقتل، فأصر على ترك الصلاة حتى قُتِل، فهذا لا يجب أن يختلف أحد في كفره. لأنه لا يعقل أن يكون إصراره على ترك الصلاة من الكسل، وهو يتعرض للضرب والحبس ويعلم أنه سيُقتل إن لم يصل.
ولم يقل أحد من الصحابة في أن من يصر على ترك الصلاة حتى يُقتل: أنه فاسق غير كافر. قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (22
47): «وهذه الفروع لم تنقل عن الصحابة، وهي فروع فاسدة. فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن، معتقداً لوجوبها، يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل، وهو لا يصلي. هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم. ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام، ولا يُعرف أن أحداً يعتقد وجوبها، ويقال له: "إن لم تصل وإلا قتلناك"، وهو يصر على تركها، مع إقراره بالوجوب. فهذا لم يقع قط في الإسلام. ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها، ولا ملتزماً بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين».
فإذا تبين كفر تارك الصلاة بالدليل القائم السالم عن المعارض المقاوم، وجب أن تترتب أحكام الكفر والردة عليه، ضرورة أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
إجماع الصحابة على تكفير تارك الزكاة
¥