الله بن محمد بن عبد الوهاب (1242هـ) كما في "الدرر السنية" (8
131): «وقال الشيخ – ابن تيمية–رحمه الله في آخر كلامه على كفر مانعي الزكاة: والصحابة: لم يقولوا هل أنت مُقر بوجوبها أو جاحد لها؟ هذا لم يُعهد عن الصحابة بحال. بل قال الصدّيق لعمر –رضي الله عنهما–: "والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله r لقاتلتهم على منعها". فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد وجوبها. وقد روي أن طوائف منهم كانوا يُقِرّون بالوجوب، لكن بخلوا بها. ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة: وهي قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار، وسمّوهم جميعهم أهل الردّة».
وقد أطَلنا في بيان اتفاق الصحابة على كفر مانعي الزكاة ورِدّتهم، لأن المشهور لدى المتأخرين هو قول أبي سليمان الخطابي في كتابه "معالم السنن": إن تسمية مانعي الزكاة مرتدون هو من باب المجاز والتغليب (!!) وأنهم بغاة ليسوا مرتدين، لأنهم لم يجحدوا وجوب الزكاة. فوجد المتأخرون الأشاعرة أن هذا الكلام جارٍ على أصول المرجئة في اشتراط الجحود للتكفير، فتلقّفوه ونقلوه في كتبهم. ولهذا لم يعرف كثير من المعاصرين غير هذا القول. ولم يثبت عن الصحابة أنهم تكلموا في مسألة الجحد أو الإقرار بالوجوب في حق مانعي الزكاة وتعليق الحكم عليهم بذلك. فهذه كما قال ابن تيمية: فروع فاسدة لم تنقل عن الصحابة. فتأمل هذا، تعرف مخالفة كثير من المتأخرين لما كان عليه السلف، كما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (13
26): «وإذا ذكروا نزاع المتأخرين، لم يكن بمجرد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كل قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعاً. لأن كثيراً من أصول المتأخرين مُحدَثٌ مُبتَدَعٌ في الإسلام، مسبوقٌ بإجماع السلف على خلافه. والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً». وبهذا تعلم أن اختلاف المتأخرين في تكفير مانع الزكاة –بعد إجماع الصحابة عليه– لا اعتبار له. وهو كاختلاف المتأخرين في تكفير تارك الصلاة، بعد إجماع الصحابة على تكفيره.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن عمر لم يوافق أبا بكر في تكفير مانعي الزكاة، بدليل أنه رَدّ السَّبْي إليهم في خلافته، ذكر ذلك ابن حجر في الفتح، (12
280). وهذا خطأ، فإن رَدّ السبي لا يدل على مخالفة عمر لأبي بكر في تكفير مانعي الزكاة، بدليل أنه رَدّ سبي غيرهم من المرتدين كقوم مسيلمة الكذاب وطليحة الأسدي. فهل خالف عمر في كُفْر هؤلاء؟! بل الصواب في هذا ما ذكره ابن تيمية في "منهاج السنة" (6
349) أن عمر ردّ السبي لسائر المرتدين من العرب بسبب توبتهم ورجوعهم إلى الإسلام. قال ابن تيمية «وأهل الردة كان قد اتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على أنهم لا يُمَكَّنون من ركوب الخيل ولا حمل السلاح، بل يُتركون يتبعون أذناب البقر، حتى يُري الله خليفة رسوله والمؤمنين حُسن إسلامهم (وهذا رواه البرقاني في مستخرجه على شرط البخاري). فلما تبيّن لعمر حُسن إسلامهم ردّ ذلك إليهم، لأنه جائز». ونقل ابن جرير الطبري رحمه الله أن عمر ردّ السبي في خلافته لتعظيم أمر العرب، فقال في "تاريخه" (2
304): «فلما وَليَ عمر رحمه الله قال: "إنه ليقبح بالعرب أن يملك بعضهم بعضاً، وقد وسَّع الله وفتح الأعاجم". واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والإسلام، إلا امرأة ولدت لسيّدها. وجعل فِداء كل إنسان سبعة أبعرة وستة أبعرة، إلا حَنِيفة كِنْدة فإنه خفّف عنهم لقتل رجالهم، ومَنْ لا يقدر على فِداء لقيامهم وأهل دَبَا. فتتبعت رجالُهم نساءَهم بكل مكان». وكما ترى فقد ردّ عمر جميع السبي للمرتدين التائبين، وحتى سَبْي الجاهلية بين العرب قبل الإسلام، كما رد النبي r على هوازن سبيهم بعد أن قسمه بين المسلمين. فلا دلالة في هذا على أنه خالف أبا بكر في تكفير مانعي الزكاة.
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[28 - 12 - 04, 12:19 ص]ـ
جزاك الله خيرا
وللعلم
فقد ذكرت تعليق الشيخ ابن عثيمين في موضوع مستقل لأني لم أجد هذا الموضوع
فظننته حذف
ـ[أبا عبد الرحمن]ــــــــ[28 - 12 - 04, 01:50 م]ـ
قال الألباني رحمه الله في كتابه "حكم
تارك الصلاة"
ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة خاصة، مع إيمانه بمشروعيتها، فالجمهور على أن لا يكفر بذلك، بل يفسق، وذهب أحمد] فيما يذكر عنه [إلى أنه يكفر بتركها، وأنه يقتل ردة، لا حداً.
وقد صح عن الصحابة أنهم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم.
وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصاً على أنهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفره الله له، كيف ذلك وحذيفة بن اليمان – وهو من كبار أولئك الصحابة – يرد على صلة ابن زفر وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له، فيقول: " ما تُغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ... " فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه: " يا صلة تنجيهم من النار " ثلاثاً.
فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة، - ومنها بقية الأركان - ليس بكافر، بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة.
¥