تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ذكرت سابقاً أنّ القول بأن العلة هي فقط تحصيل الأطهرية هو اجتهاد من قائله، لكنه لا ينهض لأن هناك علة أقوى منصوص عليها صراحة في النص وهو تأذّي النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل أن عكس القضية يبين أنّ التعليل بتحصيل الأطهرية لا يستقيم، لأن عدم الحجاب ليس علة لعدم طهارة القلب، بل يمكن ويمكن، بدليل أن جملة من العلماء ـ ومنهم من يستدل بقوله الدكتور ـ يقول بجواز النظر إلى النساء إذا أُمنت الفتنة [فتاوى شيخ الإسلام 22/ 109]، وبدليل أن النصوص التي استدل بها الدكتور في الآية السابقة ـ آية الجلباب ـ تنص على أن الجلباب خاص بالحرائر بمعنى أن الأمة لا تستر وجهها، فلماذا لم يوجب من استدل بهم الدكتور على الأمة ستر وجهها مع أن الفتنة حاصلة بذلك، وطهارة القلب تتخلف بذلك على قول الدكتور.

وأما الاستدلال على العلة بمسلك الإيماء الذي ذكره الدكتور ونقله عن العلامة الشنقيطي رحمه الله، فإنه اجتهاد قابل للنقض كما قدمت، هذا أوّلاً.

وثانياً: يمكن للمخالف أن يقول: إن سلامة كلام الله من العيب واللغو أصل لا يمكن أن أضعه على محك تفكّر المجتهد في كلام الله، فهب أني لم أفهم مناسبة الحكم للعلة أو لم يتبين لي معنى آية ما هل أتهم كلام الله أم أتهم فهمي؟

ثم هل بين الله لعباده كل حِكمه؟

وما ضلال أهل البدع الذين تتبعوا المتشابه وقدحوا في المحكم وتنطعوا إلا أنهم أبوا إلا معرفة كل الحكم، ولهذا كان أصل الصحابة رضي الله عنهم التهمة للنفس والعقل، كما جاء عن عائشة في قصة التي قالت لها ما بالنا نقضي الصوم ولا نقضي الصلاة، وقصة عمر وأبي بكر لما تساءلوا عن الأبّ وإن كان في أسانيدها ضعف ورواها الأئمة في مقدمات التفسير، ففي هذه النصوص اتهم الصحابة فهمهم، والشاهد أن المخالف لو قال إن قوله تعالى: {ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن} ليس علة للحكم لا يلزمه عيب كلام الله تعالى، كما أنّنا نجهل علل كثير من الأحكام ونقول هي تعبدية ولا يلزمنا عيب التشريع.

مع أنا نقول إن العلة الأوضح هي حصول الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وقد ذُكر في الآية مرتين، بل الآية كلها نزلت في هذا السياق، ولا يمنع أن يكون ذكر تحصيل الأطهرية هي من باب ذكر المنافع التي تعود على المؤمنين من امتثال الأمر، كقوله تعالى في آية الدين {ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا} وكتابة الدَّيْن ندبٌ عند الجمهور.

ومما يدل على ضعف القياس: أن الحكم هنا ليس وجوب الحجاب أي تغطية أمهات المؤمنين لأجسادهن وإنما زيادة على ذلك، كما قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب) [تفسيره للآية]. فالأمر إذن للصحابة أن لا ينظروا إليهن في أي حال، وإذا احتاجوا إلى التعامل معهن في سؤال متاع أو فتوى أو تعليم فإنه لا يجوز إلا من وراء حجاب، أما سائر النساء فإن الفقهاء يقولون بجواز النظر إلى ما يبدو من الزينة الظاهرة التي هي عند الدكتور ظاهر الثياب، دون أن يكون ذلك من وراء حجاب ساتر.

وممّا يضعف القياس بناء على هذا أن قياس سائر المؤمنات على نساء النبي صلى الله عليه وسلم غير صحيح، لأن لنسائه صلى الله عليه وسلم مكانة تختلف ولهذا كان لهن من الأحكام ما يخالفن فيه غيرهن، وعليهن من التشديد في الأحكام ما ليس على غيرهن، والله تعالى يقول: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} وقال: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يُضاعف لها العذاب}، فقياس سائر النساء على نسائه صلى الله عليه وسلم لا يستقيم إلا ما ورد به النص.

ومن هنا جاء التغليظ في حجب نساء النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجال اشد من عامة النساء، فنهى الله عن التعامل معهن إلا من وراء حجاب.قطعاً لكل سبب من أسباب الفتنة وأسباب أذى النبيّ صلى الله عليه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير