تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يدل على خصوصية هذا الأمر بنساء النبي صلى الله عليه وسلم وأن الحجاب مغلّظ في حقهن ما جاء في قصة زواجه من قتيلة (ويُقال قيلة) بنت قيس، وفيها كلام كثير، يهمنا منه مارواه الطبري في تفسير الاية وأبو نعيم في معرفة الصحابة 6/ 3246 وابن سعد في الطبقات 8/ 117 أن قتيلة تزوجت بعد النبي صلى الله عليه وسلم من عكرمة بن ابي جهل، وأن ذلك شق على أبي بكر لكون أزواجه لا يجوز نكاحهن من بعده، لكن ابا بكر هدأ وسكن لما قال له عمر: (يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه ولم يخيرها النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يحجبها .. ) وذكر ابن حجر في الإصابة 8/ 87 أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أن تُخيّر فإن شاءت ضُرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين وإن شاءت فلتنكح من شاءت.

فأنت ترى أنه استدل عل كونها ليست من أمهات المؤمنين بكونها لم يُضرب عليها الحجاب، فما وجه الاستدلال من عمر إذا كان لا فرق بينهن وبين سائر النساء في ذلك؟

ونفس هذه الحجة استخدمتها اسماء بنت الجون عندما تزوجت بعد أن طلقها النبي صلى الله عليه وسلم فهم عمر أن يعاقبها فقالت: (والله ما ضُرب علي الحجاب) الطبقات 8/ 116، وفي قصة زواجها قول أبي أسيد لها (إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يراهن أحد من الرجال) الطبقات 8/ 114

ومما يدل على أن الاية سيقت لحكم خاص بنساء النبيّ صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن سعد في الطبقات 8/ 143 عن الزهري أنه قيل له: من كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كل ذي محرم محرم من نسب أو رضاع، قيل فسائر الناس؟ قال: كن يحتجبن منه حتى إنهن ليكلمنه من وراء حجاب، وربما كان ستراً واحداً. وهذه أخبار عندي ضعيفة لكنها على شرط الشيخ الدكتور فإنه قرر في المبحث السابق أن الروايات التاريخية لا تُعامل بالصرامة نفسها التي تُعامل بها الروايات الحديثية.

قال الدكتور: وثمة قياس أعلى منه رتبة، لا يستعمل إلا في تفضيل شيء على شيء، وهو قياس الأولى، ولهذه الآية حظ من هذا القياس العالي، وفحواه: أن الخطاب إذا توجه إلى فئة معينة، بحكم معين، لأجل علة معينة، فإذا وجدت العلة في فئة أخرى، فهي مخاطبة بنفس الحكم، فإن وجدت فيها العلة بصورة أقوى، فهي أولى بالخطاب .. فكلما كانت العلة آكد، كان الحكم آكد.

فالآية خاطبت فئة معينة هي: أمهات المؤمنين. بحكم معين هو: الحجاب. لأجل علة معينة هي: تحصيل طهارة القلب. وإذا سألنا: من أحوج إلى هذه الطهارة: آلأمهات، أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، المصطفيات المبرءآت من كل سوء، بشهادة الله تعالى لهن: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"؟ .. أم سائر المسلمات، اللاتي فيهن المحسن، والمقتصد، والظالم؟.

لا ريب أن الجواب: أن سائر المسلمات أحوج إلى هذه الطهارة، فالعلة فيهن أقوى، فهن إذن أولى بالحكم.

قلت: إذا تبين خصوصية نساء النبي صلى الله عليه وسلم في التشديد عليهن في أمر الحجاب عرفنا أنه لا قياس أصلاً فضلاً عن قياس الأولى، لأن من شرط القياس تساوي الأصل والفرع وقد عرفنا أنهما لا يستويان. ونحن نتكلم عن الواجب أما المشروعية فمُتفق على مشروعية الحجاب الكامل تأسياً بنسائه صلى الله عليه وسلم لأنه الله جعل ذلك أطهر وأفضل.

ولكن مما يحسن قوله هنا أن الشيخ الفاضل استدل بقوله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} وهي دليل عليه، فإن هذه الآية دليل على أن لأهل البيت شأناً يختلف عن بقية الناس، فحرم عليهم الصدقة مثلاً واباحها لغيرهم، والشيخ يقول إن عامة النساء بحاجة إلى التطهير أكثر من أمهات المؤمنين، وهذا صحيح بالنظر إلى ذواتهن، ولكن من جهة أخرى فأمهات المؤمنين بحاجة إلى البعد عن الريبة والشبهة أكثر من سائر النساء لأن لهن صلة بعرضه صلى الله عليه وسلم وهذا أمر أكبر من أن يُستدل له، ولهذا الارتباط بينهن وبينه صلى الله عليه وسلم كان الحجاب عليهن أشد، وأمر الرجال معهن أعظم، وقد قدمنا قوله تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} وقوله: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يُضاعف لها العذاب}، وعليه فإن كان يصح هنا قياس الأولى فحقيقته أن نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم أولى بالتطهير، فتطهيرهنّ وإبعادهن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير