ومثله قوله في الرواية التي بعدها (4792): (فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه إلى قوله من وراء حجاب فضرب الحجاب وقام القوم).
وفي رواية أخرى (5166) قال: (فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر وأنزل الحجاب).
وروى الإمام أحمد (11958 التراث) عن أنس بن مالك قال: (لما نزلت آية الحجاب جئت أدخل كما كنت أدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم وراءك يا بني).
فتأمل هذا أيضاً لو كان المفروض في الآية هو لباس البدن كاملاً لما كان هناك معنى لمنع أنس من الدخول عليهن.
وتأمل معي ما جاء في قصة زوجه من صفية حين قال الناس ((إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه))، فلو كان سبب هذا التفريق أن الأمة ليس عليها أن تستر وجهها بعكس الحرة، لم يعزو ذلك إليه، ولعرفوا ذلك بمجرد خروجها، لكن الروايات من حديث أنس تقول إنهم لم يتبينوا ذلك إلا حين ركبت الراحلة قال أنس ((فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب بينها وبين الناس)) فهل يُعقل من هذا اللفظ أنه مد لباسها، هذا بعيد.
فالصحيح ـ والله أعلم ـ الحجاب هو الستر بين نسائه وبين الناس، ويدل عليه ألفاظ وردت في شأن التعبير بلفظ (الحجاب) في النصوص عن الساتر المنفصل، ومن ذلك:
. عن أنس بن مالك قال لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات) البخاري (681).
. عن سعد بن أبي وقاص قال استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر أضحك الله سنك يا رسول الله قال عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب .. ) الحديث. البخاري (3294).
. وفي حديث عروة بن الزبير في قصة عبدالله بن الزبير مع عائشة ( .. فقال له الزهريون أخوال النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث والمسور بن مخرمة إذا استأذنا فاقتحم الحجاب) البخاري (3505).
. وعن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين قالا لي وللفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس .. وفيه قال وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه) الحديث. مسلم (1072).
ثم إن ألفاظ النصوص تشير بقوة إلى أنّ ما نزل في هذه الآية خاص بهن ولأجلهن، كما جاء من قول عمر رضي الله عنه في البخاري (402): (وافقت ربي في ثلاث .. وآية الحجاب قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر فنزلت آية الحجاب .. ) الحديث.
وكقول أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام حتى أعرس بها وكانت فيمن ضرب عليها الحجاب) البخاري (4212) فلو كانت نساء النبيّ صلى الله عليه وسلّم مثل سائر النساء في شأن الحجاب فما فائدة قول أنس (وكانت فيمن ضرب عليها الحجاب)؟ !.
. وفي حديث ابن جريج مع عطاء عن عائشة (قلت: وما حجابها؟ قال: هي في قبة تركية لها غشاء وما بيننا وبينها غير ذلك) البخاري (1618).
¥