قال الله تعالى: لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا، وإنما نهاهم الله تعالى عن ذلك لما يحتويه اللفظ من احتمال مشابهة اليهود في سخريتهم من النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن أصل اللفظ لا شيء فيه.
وقد بين ابن تيمية في أكثر من موضع أن كراهية أهل السنة والجماعة لألفاظ مثل التحيز والجهة ونحوها إنما أتى مما تحتويه هذه الألفاظ من معان مجملة قد يؤدي عدم التنبه لها إلى الوقوع في الباطل دون أن يدري الشخص وقد حدث، لكنه في نفس الوقت إبان رده على الفرق يفصل ويبين يعني متى تقبل هذه المصطلحات ومتى ترد.
وبناء على ذلك:
فلا إنكار على من التزم المنهج السلفي وتسمى به وبالأخص في وقت تكثر فيه الدعاوى والإتجاهات المخالفة للمنهج القويم، ولا مانع أن ينتسب سلفيا باعتبار مايتستند إليه، وقد تسمى الأئمة رحمهم الله تعالى بالشافعي والحنبلي والحنفي والمالكي، ولم يعهد أن أحدا من الأئمة أنكر عليهم هذه النسبة.
فإذا كانت النسبة إلى بشري واجتهاده جائزة ولم ير الأئمة بها بأسا، فالتسمية بمصطلح يستند إلى منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيه أولى بالجواز، بل قد يتعين على المرء في أوقات ظهور الفتن والإحن وقلة أهل السنة والجماعة أن يظهر السنة وأنه من أهلها وإذا كان السلفي علم على منهجهم فيخبر بأنه سلفي لكي يعرف الناس السلفية من غيرها من المناهج الخاطئة أو الباطلة، بل حكى ابن تيمية الإتفاق على وجوب قبول ذلك منه فقال في مجموع الفتاوى 4/ 149:
لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا.
وفي فتوى للشيخ ابن باز رحمه الله تعالى لا أذكر موضعها سئل عن السلفيين فقال:
السلفيون هم أهل السنة والجماعة.
أي باعتبار ما يلتزمون به وينتهجونه.
أما الثاني:
وهو هل يجوز الإلزام بتلك التسمية؟
فالذي أعرفه – في حدود اطلاعي واستغفر الله من الخطأ والزلل - أن أهل السنة والجماعة لم يحفظ عنهم الإلزام بالتسمية الإصطلاحية بأهل السنة والجماعة فضلا عن السلفي أو غيره، وبخاصة أن لفظة السلفي ككلمة لغوية تحتمل أكثر من مجرد الإنتساب لسنة النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم، وقد رأيت من الأشاعرة من يدعي أنه سلفي باعتبار أن ما عليه في باب العقائد هو مذهب الصحابة والتابعين – زعم -.
أما الثالث:
هل يجوز الإنكار على من لا يرى التسمية لنفسه بذلك المصطلح؟
فها هنا حالتين:
الأولى: أن لا يكون مقرا بمحتواه وما يستند إليه، وعدم الإقرار يكون بدرجات لا درجة واحدة كما هو معلوم فإن من أنكر التسمي بالسلفي لنسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كفر بلا شك، وإنما أقصد الإنكار المنبني على شبهة كبعض الأطروحات الخاطئة هذه الأيام في طريق الدعوة من قولهم أن هذا مناقض لمصلحة الدعوة ونحوه.
وعلى أي حال فبأي درجة كان عدم الإقرار فهذا يسقط الكلام معه، وإن جاز في بعض الأحيان للتعريف وإقامة الحجة إن رجا الناظر إليه خيرا وأنه قد يستجيب وتختلف هذه الأخيرة من حال إلى حال.
الثاني: أن يكون مقرا بمحتواه وما يستند إليه؟
فالأصل أن لا ينكر عليه، إذ الأصل في الولاء والبراء بدرجاته أنه لا يكون إلا على مسمى الإسلام ومحتواه فقد أخبر الله تعالى أنه سمانا بالمسلمين، فلا يجوز الموالاة والمعادة على غيره.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في المجلد الثالث من مجموع الفتاوى:
وكذلك التفريق بين الأمة وامتحانها بما لم يأمر الله به ولا رسوله؛ مثل أن يقال للرجل: أنت شكيلي، أو قرفندي؛ فإن هذه أسماء باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا في الآثار المعروفة عن سلف الأئمة لا شكيلي ولا قرفندي. والواجب على المسلم إذا سُئل عن ذلك أن يقول: لا أنا شكيلي ولا قرفندي، بل أنا مسلم متبع لكتاب الله وسنة رسوله.
¥