وفي بعض الآيات يخبرربنا-جل وعلا-أن الكفار عندما يساقون إلى النارتقول لهم خزنة جهنم:"ألم يأتكم نذير"وهكذا تكرر عليهم خزنة جهنم هذا القول عندما يلقون فيها فيعترفون ويقرون بأن الرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام-جائتهم، ولكنهم كذبوهم وكفروا بما أنزل عليهم0قال تعالى:"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراحتى إذا جاؤها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين0قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين"الزمر
70 - 71 0وقال تعالى:"وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير0إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنانسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير،
فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير"الملك
6 - 11
هذه عشر آيات من القرآن الكريم تقرر أن الله العظيم، لايؤاخذ المكلفين، إلا بعد أن يرسل إليهم رسله الصادقين-عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- وقد ثبت هذا المعنى عن نبينا الأمين-عليه الصلاة والسلام- في غير ما حديث منها ما في صحيح البخاري والترمذي وأحمد، عن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يجئ نوح وأمته فيقول الله تعالى:هل بلغت؟ فيقول: نعم أي رب0فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون:لا، ما جاءنا من نبي0 فيقول لنوح:من يشهد لك؟ فيقول: محمد-صلى الله عليه وسلم- وأمته0 فنشهد أنه قد بلغ وهو قوله -جل ذكره-:"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"البقرة
143، والوسط العدل
والحديث رواه أحمد وابن ماجه أتم من هذا وأشمل وهذا لفظ ابن ماجه0عن أبي سعيد أيضا0أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم قال- يجئ النبي ومعه الرجلان‘ ويجئ النبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك وأقل 0فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم0 فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: لا0فيقال: من يشهد لك، فيقول: محمد وأمته0 فتدعى أمة محمد، فيقال:هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم0 فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبينا بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه0قال: فذلكم قول الله تعالى:"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"00وهذا الحديث صريح في أن الحجة لاتقوم على المكلفين إلابعد بلوغهم شرع رب العالمينن ولذلك سيسأل ربنا كل مكلف عن هذا الأمرلئلا يكون له عذر، كما في صحيح البخاري عن عدي بن حاتم-رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أنه قال:" وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولن: ألم أبعث إليك رسولا فيبلغك؟ فيقول: بلى
شبهه:- فإن قيل: إن الإقرار بوجود الواحد القهار ثابت في العقول، فلم توقف الوجوب على مجئ الرسول
والجواب:- إن سبب الوجوب يدور على أمرين اثنين:
أولهما:- إن العقل وإن دل على الإقرار بوجود الخالق0وشناعة الشرك فلا عقاب على ترك ذلك الواجب الا بعد ورود الحجة من الشرع المطهر من كتاب وسنة 0 قال الإمام ابن القيم انظر مدارج السالكين1\ 488 - 492بتصرف والحق أن وجوب التوحيد ثابت في العقل والسمع والقرآن على هذا يدل، فإنه يذكرالأدلة العقلية والبراهين على التوحيد ويبين حسنه وقبح الشرك عقلا وفطرة 0ويأمر بالتوحيد وينهى عن الشرك وضرب لذلك الأمثال فقال -جل وعلا-:"يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا لهإن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب، ما قدرو الله حق قدره إن الله لقوي عزيز"الحج
73 - 74
ولكن ثمة أمر آخر وهو أن العقاب على ترك هذا الواجب يتأخر إلى حين ورود الشرع،كما دلت الآيات الكريمات0 فقوله -جل وعلا-:"ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون"الأنعام
131 يدل على أنهم ظالمون قبل إرسال الرسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام- وأنه لايهلكهم بهذا الظلم قبل إقامة الحجة عليهم0 ولهذا كان الصواب وجوب التوحيد بالسمع والعقل، وإن اختلفت جهة الإيجاب 0فالعقل يوجب بمعنى اقتضائه لفعله وذمه على تركه وتقبيحه لضده 0وإن لم يكن حسن التوحيد وقبح الشرك معلوما بالعقل مستقرا في الفطر، فلا وثوق بشئ من قضايا العقل، فهذه القضيه من أجل القضايا البديهات وأوضح ما ركب الله-جل وعلا- في العقول والفطر والسمع يوجبه بهذا المعنى ويزيد اثبات العقل على تركه والاخبار عن مقت الرب لتاركه وبغضه له وهذا قديعلم بالعقل فإذا تقرر قبح الشئ وفحشه بالعقل، وعلم ثبوت كمال الرب بالعقل أيضا اقتضى ثبوت هذين الأمرين علم العقل بمقت الرب لمرتكبه وأما تفاصيل العقاب وما يوجبه مقت الرب فإنما يعلم بالسمع
ثانيها:- إن العقول وإن دلت على ذلك فتلك الدلاله على وجه الاحتمال ولا بد من تفصيل ما يجب لله على عباده من حقوق وواجبات،وما يتصف به من صفات الكمال، وبيان ما يضاد ذلك الحال فالعقول لاتهدي لتفصيل ذلك فيلزم التفصيل والبيان لرفع اللبس والإبهام وذلك عن طريق الرسل الكرام ورحمة الله على ابن القيم إذيقول في بيان وظيفة الرسل ومكانتهم
وكان الناس في لبس عظيم فجاؤا بالبيان فأظهروه
وكان الناس في جهل عظيم فجاؤا باليقين فأذهبوه
وكان الناس في كفر عظيم فجاؤا بالرشاد فأبطلوه
الشرط الرابع:- سلامة حاستي السمع والبصرمعا0
لأنه بسلامة إحدى الحاستين يتم حصول اعلامه بالمطلوب منه عن طريق السماع، أو الرؤية أما إذا فقدا معا فلا يتأتى اخباره، ولا يحصل ابلاغه، فحكمه حكم فاقد العقل، ومن كان هذا حاله فالقلم مرفوع عنه، كما تقدم تقريرهذامع بيان ما يدل عليه0