تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما القول بأن الإعفاء ليس من السنن التعبدية، فالجواب عنه بغض النظر عن حكمه بما صححه الأستاذ الجديع نفسه، فقد صحح أثرين أحدهما عن جابر بن عبد الله، والآخر عن عطاء بن أبي رباح، اتفقا على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستحبون إعفاء اللحية، ولا يأخذون منها إلا في نسك.

أثر جابر بلفظ:

" كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة "

وأثر عطاء بلفظ:

" كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة "

وإذا تقرر أن عامة الصحابة (جميع الصحابة) كانوا يستحبون الإعفاء دون تعليق لذلك بالمخالفة وأنهم إلى عصر التابعين هم مستمرون على الإعفاء عن اعتقاد لاستحباب ذلك كما هو صريح أثر عطاء، مع تغير حال البيئات وخلو كثير منها من أهل الشرك والكفر.

دل ذلك أن الإعفاء عندهم من السنن التعبدية، وبالتالي فلم تعد لدعاوى الجديع أدنى قيمة أمام ما ثبت عن الصحابة الكرام بإجماع منهم، ومثل هذا الجواب قاطع للنزاع عند من سلمت أصوله، وسلمت نفسه من آفات الأستاذ الجديع التي لمسناها منه في كتابه هذا، من تلاعب وتكلف و استغلال للمجملات وتجاهل للحقائق نسأل الله الهداية.

ناهيك عن ثبوت الأمر به دون إشارة إلى أي معنى يخالف معنى التعبد، أو قد يصرف الأمر إلى غير التعبد كما سبق من حديث ابن عمر (إن صح الترجيح)

أما المسألة الثانية والقول الآخر فالجواب عليه بما يلي:

أن القول بأن الإعفاء إنما شرع لأجل المخالفة فقط، وبالتالي فلا يمكن أن يكون واجبا وإنما الأمر في مثل هذا للاستحباب إنما أقامه الأستاذ على أمرين:

الأول: أنه لم يرد الأمر بالإعفاء مجردا عن التعليل بالمخالفة

والثاني: أن ما كان هذا سبيله فمتى عري عن قصد التشبه فالمخالفة فيه لا تكون إلا مستحبة فقط

والجواب على هذا بما يلي:

أما الفقرة الأولى فلا يصح القول بأن الأمر بالإعفاء لم يأت مجردا عن ذكر المخالفة، فقد سبق أن حديث ابن عمر: " حفوا الشوارب وأعفوا اللحى " قد جاء مجردا عن ذكر المخالفة في أكثر الروايات.

وسبق أن تلاميذ نافع الثقات وغيرهم قد اتفقوا على رواية الحديث بدونها، وأنه إنما تفرد بها ثقة غير متقن مخالفا الجماعة.

وثبوت هذا لوحده كاف في رد ما قاله الأستاذ.

ويشهد له أن عمل السلف قاطبة شاهد على نقض دعوى الأستاذ، فلم يتقيدوا بالعلة مطلقا لا الصحابة ولا التابعون ولا تابع التابعين، ولو أنهم تقيدوا بالعلة لأثر الحلق عنهم، باعتبار أن العلة

زالت عن كثير من بقاع المسلمين آنذاك، ولم يثبت عنهم شيء من ذلك، بل الثابت هو الإعفاء فقط، وقد سبق نقل ذلك عن عامة الصحابة، وكذلك غيرهم من التابعين وتابعيهم، ومن أبطل

الباطل أن يهمل عمل أهل القرون المفضلة طيلة هذه القرون، فما الدين إلا ما كانوا عليه.

ولهذا قرر أهل العلم أن علة المخالفة التي وردت في بعض الأحاديث لا تعني أن الأمر بالإعفاء ينتفي عند انتفائها، فالحلق عندهم محرم مطلقا دون اعتبار العلة، قال الإمام شهاب الدين الاذرعي من الشافعية:

" الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها "

وسبق كلام شيخ الإسلام في الاقتضاء بأنه:

" لا يسوغ لنا رفض ما شرعه الله لنا وفطرنا عليه لمجرد أن يتلبس به بعض المخالفين لنا في الدين "

وقال النفراوي المالكي في الفواكه الدواني:

" فما عليه الجند في زماننا من أمر الخدم بحلق لحاهم دون شواربهم، لاشك في حرمته عند جميع الأئمة لمخالفته لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ولموافقته لفعل الأعاجم والمجوس، والعوائد لا يجوز العمل بها إلا عند عدم نص عن الشارع مخالف لها، و إلا كانت فاسدة يحرم العمل بها، ألا ترى لو اعتاد الناس فعل الزنا أو شرب الخمر لم يقل أحد يجوز العمل بها"ا. هـ

فلم يعتبر العرف في المسألة، وإنما اعتبر الإعفاء مأمورا به مطلقا وإن تخلفت العلة.

وقال أبو شامة:

" وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصونها "ا. هـ

فهذا أبو شامة وهو من علماء القرن السابع يستنكر الحلق في عصره، مع بعده عن المجوس وينقل أنه محدث ليبين أن الأمة استقرت على أن الإعفاء سنة سابلة لا تتوقف سنيتها على المخالفة

هذا ما عليه أهل العلم وهؤلاء هم سلفنا في هذه المسألة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير