تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قيل: فلم قال السجود على وزن فعول ولم يقل السجد كالركع ... وفي آية أخرى "ركعا سجدا "ولم جمع ساجد على السجود ولم يجمع راكع على ركوع ....... فالجواب:أن السجود في الأصل مصدر كالخشوع والخضوع وهو يتناول السجود الظاهر والباطن ولو قال السجد في جمع ساجد لم يتناول إلا المعنى الظاهر وكذلك الركع ألا تراه يقول تراهم ركعا سجدا وهذه رؤية العين وهي لا تتعلق إلا بالظاهر والمقصود هنا الركوع الظاهر لعطفه على ما قبله مما يراد به قصد البيت والبيت لا يتوجه إليه إلا بالعمل الظاهر وأما الخشوع والخضوع الذي يتناوله لفظ الركوع دون لفظ الركع فليس مشروطا بالتوجه إلى البيت وأما السجود فمن حيث أنبأ عن المعنى الباطن جعل وصفا للركع ومتمما لمعناه إذ لا يصح الركوع الظاهر إلا بالسجود الباطن ومن حيث تناول لفظه أيضا السجود الظاهر الذي يشترط فيه التوجه إلى البيت حسن انتظامه أيضا مع ما قبله مما هو معطوف على الطائفين الذين ذكرهم بذكر البيت فمن لحظ هذه المعاني بقلبه وتدبر هذا النظم البديع بلبه ارتفع في معرفة الإعجاز عن التقليد وأبصر بعين اليقين أنه تنزيل من حكيم حميد

قال ابن القيم:

وأما قوله تعالى (يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين -آل عمران 43) فقد أبعدت النجعة فيما تعسفته من فائدة التقديم وأتيت بما ينبو اللفظ عنه وقال غيرك السجود كان في دينهم قبل الركوع وهذا قائل ما لا علم له به والذي يظهر في الآية والله أعلم بمراده من كلامه أنها اشتملت على مطلق العبادة وتفصيلها فذكر الأعم ثم ما هو أخص منه ثم ما هو أخص من الأخص ...... فذكر القنوت أولا وهو الطاعة الدائمة فيدخل فيه القيام والذكر والدعاء وأنواع الطاعة ثم ذكر ما هو أخص منه وهو السجود الذي يشرع وحده كسجود الشكر والتلاوة ويشرع في الصلاة فهو أخص من مطلق القنوت ثم ذكر الركوع الذي لا يشرع إلا في الصلاة فلا يسن الإتيان به منفردا فهو أخص مما قبله ففائدة الترتيب النزول من الأعم إلى الأخص إلى أخص منه ... وهما طريقتان معروفتان في الكلام النزول من الأعم إلى الأخص وعكسها وهو الترقي من الأخص إلى ما هو أعم منه إلى ما هو أعم

ونظيرها (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير- الحج 77) فذكر أربعة أشياء أخصها الركوع ثم السجود أعم منه ثم العبادة أعم من السجود ثم فعل الخير العام المتضمن لذلك كله والذي يزيد هذا وضوحا الكلام على ما ذكره بعد هذه الآية من قوله (وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود- البقرة 125) فإنه ذكر أخص هذه الثلاثة وهو الطواف الذي لا يشرع إلا بالبيت خاصة ثم انتقل منه إلى الإعتكاف وهو القيام المذكور في الحج وهو أعم من الطواف لأنه يكون في كل مسجد ويختص بالمساجد لا يتعداها ثم ذكر الصلاة التي تعم سائر بقاع الأرض سوى ما منع منه مانع أو استثني شرعا

وإن شئت قلت ذكر الطواف الذي هو أقرب العبادات بالبيت ثم الإعتكاف الذي يكون في سائر المساجد ثم الصلاة التي تكون في البلد كله بل في كل بقعة .........

4 - المغفرة والرحمة ..

قال السهيلي:

وأما تقديم الغفور على الرحيم فهو أولى بالطبع لأن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة تطلب قبل الغنيمة وفي الحديث أن النبي قال لعمرو بن العاص

"أبعثك وجها يسلمك الله فيه ويغنمك وأرغب لك رغبة من المال" [. صحيح.] فهذا من الترتيب البديع بدأ بالسلامة قبل الغنيمة وبالغنيمة قبل الكسب ....

وأما قوله وهو الرحيم الغفور في (سبأ) فالرحمة هناك متقدمة على المغفرة فإما بالفضل والكمال وإما بالطبع لأنها منتظمة بذكر أصناف الخلق من المكلفين وغيرهم من الحيوان فالرحمة تشملهم والمغفرة تخصهم والعموم بالطبع قبل الخصوص كقوله (فاكهة ونخل ورمان- الرحمن 68) وكقوله (وملائكته ورسله وجبريل وميكال- البقرة)

قال ابن القيم:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير