تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا كانت الشريعة حاظرة للحيل المخالفة لمقاصد الشارع عز وجل في أحكامه، وقاضية بحرمة الفعل المشروع في أصله إذا وقع وسيلة للربا، وحاكمة ببطلانه، فإن الإقدام على التعامل بما هو ربا صريح حرام من باب أولى، والعقد المشتمل عليه فاسد، ولذا فإن المشاركة، أو شراء أسهم شركة تتعامل بشيء من الربا، قليلاً أو كثيراً، حرام وباطل، خاصة وأن العاقد يقدم على ذلك وهو عالم بما فيه من محظور.

لكن إذا اضطرت الشركة لأن تودع أموالها في مصارف ربوية، لأجل الحفظ، دون أن تعقد معها عقداً لأجل الحصول على الفوائد الربوية، فإنه يجوز لها في هذه الحالة أن تأخذ تلك الفوائد، ولا تدعها للمصارف الربوية، ويجب عليها أن تخرج جميع هذه الفوائد، وإذا لم تخرجها فيجب على المساهم إخراجها، وصرفها في وجوه البر، تطهيراً للمال منها، ولا يحسب ذلك من زكاته، ولا يكون إسقاطاً عن واجب مالي. وإذا لم تكن معلومة المقدار فعلى الشركة أن تقدرها، وتخرجها.

وكذلك المساهم الذي دخل في الشركة وهو لا يعلم أنها تمارس الربا، فإنه يجب عليه أن يقدر المال الحرام مما يخصه من أرباح، ويخرجه تطهيراً لماله.

والجدير بالذكر أن الربا محرم في جميع الشرائع السماوية، قال تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أُحلَّت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً} ومنها الديانة المسيحية، فقد حرمته تحريماً قاطعاً، ثم بدأ يتقلص هذا التحريم شيئاً فشيئاً في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وفي عام 1493م انتهك هذا التحريم بإباحة استثمار أموال القاصرين بالربا. وفي عام 1789م قررت الجمعية العمومية الفرنسية أنه يجوز لكل أحد أن يتعامل بالربا في حدود القانون، وقد أوهموا رجال الدين بأن الفائدة القليلة هي أجرة إدارة ونحوها.

فالتعليلات التي يعلل بها بعض المشايخ المعاصرين، الذين يجوزون الاشتراك في الشركات التي يدخل الربا في نشاطها، شبيه بالتعليلات التي تحول بسببها حكم الربا في المسيحية من الحرمة إلى الإباحة.

أيها القارئ الكريم:

إننا نشكو من التعامل بالربا، لأن كل معاملة ربوية تعد كبيرة من كبائر الذنوب. لكن الشكوى تكون أعظم حين يفتى بجواز الدخول في معاملات يطبق فيها الربا باسم الإسلام.

وإن الاستدلال لتجويز التعامل مع الشركات والبنوك المرابية عمل يسهم في استمرارها وبقائها، وتوهين من شأن حرمة الربا وبشاعته، لأنه يجعل المسلمين المتعاملين مع الشركات المرابية - مع طول الأمد - يفقدون الشعور بفظاعة حرمة الربا، فيألفون هذه المعاملات، ولا يبحثون عن البدائل الإسلامية.

إن امتناع المسلمين من التعامل مع الشركات والبنوك المتعاملة بالربا يدفعها للأخذ بالبدائل الشرعية الخالية من الربا، ويجبر المسلمين على تطوير المعاملات الإسلامية، لتستجيب لجميع متطلبات العصر، وتطوراته، وتغيراته المتلاحقة.

إن موقف المسلمين من الربا يجب أن يكون جازماً حازماً، صارماً واضحاً، لا يقبل المساومة ولا المناورة، لأن التعامل بالربا يعني المبارزة لله بالحرب.

وفي الختام أدعو كل من يفتي بجواز الاشتراك في هذا النوع من الشركات أن يرجع عن هذه الفتوى لئلا يضل غيره فيبوء بإثم من يفتيهم، قال تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يُضلُّونَهُمْ بغير علم ألا ساء ما يَزرُون}.

أسأل الله أن يبصرنا جميعاً بالحق ويوفقنا للعمل به.

أ. د. صالح بن زابن المرزوقي البقمي

? عضو مجلس الشورى

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير