تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أضرار الترف على الفرد والمجتمع- دراسة في ضوء السنن الكونية والآيات القرآنية]

ـ[عبدالعزيز بن سعد]ــــــــ[03 - 03 - 06, 05:31 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

[أضرار الترف على الفرد والمجتمع- دراسة في ضوء السنن الكونية والآيات القرآنية]

إن المتأمل في واقع مجتمعنا ليصاب بوجل شديد جراء طغيان الرفاهية والتنعم عليه، وقد علم من السنن الكونية أن الترف سبب لفساد الأمم ومن ثم هزيمتها وسقوطها، بل وأشد من ذلك من الركون إلى الدنيا ورغبتها عن الآخرة. ومع أن الترفه هو التوسع في النعمة كما في المفردات للراغب؛ إلا أنه لم يرد في القرآن إلا في مورد الذم والاقتران بالكفر والعصيان وإليك البيان:

1 - اتباع الملاذ والترف في النعم يؤدي إلى التمرد على الشرع وحملته من الرسل الكرام، قال تعالى: (واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين).

2 - صار حرص تلك الفئة المترفة على ملاذها وترفها وخوفها من فقدان تلك الملاذ باتباع الرسل والالتزام بالشرع وصفا مقارنا لكفرهم وتكذيبهم وكأنه نتيجة للترف والركون إلى الدنيا، قال تعالى: (قال الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ... ).

3 - ولشدة ذلك الارتباط بين الترف والكفر استعيض عن ذكر الكافرين بذكر المترفين في قوله تعالى: (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون)، وقوله تعالى: (وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة ... ).

4 - ثم بعد ذلك ما النتيجة؟ إنه العذاب الأليم الذي ينسيهم ترفهم ونعيمهم كما قال تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا). والمعنى: أمرنا مترفيها بالاستقامة على الشرع فخالفوا بالفسق فحق عليهم العذاب، وبعد ذلك يحصل الندم ولات حين مندم كما قال تعالى: (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون).

5 - وفي بداية وصف أصحاب الشمال في سورة الواقعة نجد أن صفة الترف قبل كل الصفات المذكورة، وكأنها سبب لما بعدها من كفر وتكذيب، قال تعالى: (إنهم كانوا قبل ذلك مترفين).

6 - ويقرعهم الله سبحانه إذا أحسوا بالعذاب وحاولوا الهروب منه بالركض ولكن إلى أين؟ لا مفر لهم من جزاء عملهم. فيذكرهم سبحانه بتفرقهم وتقديمهم شهواتهم على الشرع، قال تعالى: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون).

ولقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم خطورة التنعم والترفه خصوصا بعد أن اتسعت موارد الدولة وكثر المال بسبب الفتوحات, فكانوا يتعاهدون بعضهم بالنصح، ففي صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عتبة بن فرقد رضي الله عنه – وكان أميرا على العراق – يقول له: يا عتبة أطفم الناس في رحالهم مما تأكل في رحلك فإنه ليس من كدِّ أبيك ولا كد أمك ولا كدك، وإياكم والتنعم وزي أهل العجم.

وكانت قضية خوفه على المسلمين من الوقوع في الرفاهية تشغله كثيرا رضي الله عنه فقد أخرج أحمد عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب قال:" اتزروا وارتدوا وانتعلوا والبسوا الخفاف والسراويلات والقوا الركب، وانزوا نزواً، وعليكم بالمعدية، وارموا الأغراض، وذروا التنعم وزي العجم، ... ". وورد عنه أنه قال: اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم. وفي مسند أبي عوانة وغيره بسند صحيح كما في الفروع: أما بعد فاتزروا وارتدوا وألقوا الخفاف والسراويلات وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل وإياكم والتنعم وزي الأعاجم وعليكم بالشمس فإنها حمام العرب وتمعددوا واخشوشنوا واخلولقوا واقطعوا الركب وارموا الأغراض.

وقد امتثل الصحابة لهذه الوصية العمرية المذكرة بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن يتقوا الدنيا ويحذروا الانغماس فيها، فقد ثبت عن عبدالله بن بريدة وعبدالله بن شقيق أنهما قالا: رحل صحابي إلى صحابي آخر في مصر – وهو فضالة بن عبيد – فقال الصحابي: لم آتك زائرا إنما جئتك أسألك عن حديث سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم لعله عندك علم عنه، ثم قال: ما لي أراك شعثا وأنت أمير الأرض؟ فقال فضالة: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه. فقال له: فما لي لا أرى عليك حذاء؟ ... ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير