[مسألة الغناء]
ـ[صقر بن حسن]ــــــــ[02 - 03 - 06, 08:27 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله التقي الأمين، وعلى آله وأصحابه الغُر الميامين ن ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد
فإن الله تعالى أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم هُدى للناس، وبينَ لهُمْ الحلالَ مِنَ الحرامِ بلا التباس، وأرشدهم عند التنازعِ بالرجوعِ إليهِ، وحذرهمْ مِنَ التفرقِ والاختلافِ عليهِ.
وهناكَ بينَ الحلالِ والحرامِ مُشتبهاتٌ لا يَعلمهُنَّ كَثيرٌ مِنَ الناسِ، من اتقاها فقد استبرأ لِدينهِ وعِرضهِ، ومَن وقعَ فيها فقد وقَع فِي الحَرام.
فيجب على المسلم أن يكون وقَّافاً عندَ كتابِ اللهِ تعالى وسُنةِ نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لا يتجاوزهما ولا يخالفهما، ولا يحرف النصوص عما دلت عليه، و يُبادِر بتقديمها، ويُلزمُ نفسَهُ الامتثالَ بها.
وسأتكلم هنا عن حكم (الغناء) وأقوال أهلِ العلمِ الراسخينَ فيهِ، إبراءً للذمةِ، وأدَاءً للأمانةِ، وتَنبيهاً للأمةِ.
فأقول مستعينا بالله:
حتى تُفهم هذه المسألة، لا بُدَ من التفريق بين الكلام الذي اشتمل على كلامٍ منثورٍ أو مَنظومٍ مَوزونٍ - سواءً اشتملَ على معاني مُبَاحةٍ أو مُحرَّمةٍ - وبينَ المزامير ِ والمَعازفِ.
والتفريق بينهما مهم جداً؛ لأنه قد يشتبه على بعض الناس كلام أهل العلم، وما قصدوه في كلامهم على هذه المسألة، فقد يََعنون بالغناء المعنى الأول، وقد يَعنون به ما خالطَتهُ المَعازف والمزامير.والله الموفق.
المبحث الأول: بيان معنى الغناء في اللغة
1 - قد يطلق ويُراد به صوت صاحب الغناء.
قال الإمام ابن فارس: " غِنَى: الغين والنون والميم والحرف المعتل أصلان صحيحان، أحدهُما يدل على الكِفاية، والآخرُ صوتٌ ... والأصل: الغِناءُ من الصوت، والأُغنِيَةُ: اللونُ من الغِنَاءِ ". (1)
قال الإمام النووي: " والغِناءُ بالكسر أيضاً وبالمد: هو الصوتُ المعروف ". (2)
2 - وقد يطلق ويُراد به السماع. أي سماع ذلك الصوت.
قال الإمام الجوهري: " والأغنِيَة ُ: الغِنَاءُ والجمعُ الأغَانِي، تقولُ مِنهُ: تَغَنَّى، وغَنَّى.
والغِنَاءُ بالكَسرِ: مِنَ السَّمَاع ". (3)
ولذلك سمَّى جمعٌ من أهل العلم الغناء وما يتعلق به من آلا ت لهو من معازف ومزامير واستماع له بمسألة: السماع.
المبحث الثاني: الكلام المجرد عن آلات اللهو من معازف ومزامير ونحوها.
بعض العلماءِ يُسمي هذا النوعَ أيضاً غِناءً، وبعضهم حُداءً، وبعضهم زهديات وإنشاد ونحوها.
قال الإمام محمد السَّفَّارِينِي في كلامه عن الغِناءِ: " وهو مَقسومٌ إلى قِسمينِ: مفهومٍ كالأشعارِ، وغيرِ مفهومٍ كأصواتِ الجماداتِ وهي المزاميرِ كالشَّبَابَةِ والأوتارِ، والثاني لا شك في حرمتهِ على المذهبِ المُعتَمد ". (4)
وسأتكلم هنا عن النوع الأول الذي ذكرهُ الإمام السَّفَّاريني والذي سماه بالمفهوم كالشعر ونحوه.
1 - إذا كان الكلام شعراً أو نثراً مشتملاً على تشبيب بالنساء ووصف لهن والتغزل فيهن وفي المُردانِ والخَمرِ ونحو ذلك، فهذا تحريمه معلومٌ ومُجمعٌ عليه بين أهل العلم.
قال الإمام ابن رجب: " والمراد بالغِناء المحرم: ما كان من الشعر الرقيق الذي فيه تشبيب بالنساء ونحوه مما توصفُ فيهِ محاسنُ من تَهيجُ الطباعُ بسماعِ وَصفِ مَحاسِنهِ فهذا هو الغناءُ المَنهِيُّ عَنهُ، وبذلك فسرَّهُ الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة ". (5)
وقال الإمام طاهر الطبري: " إنشاد الشعر إذا لم يكُن فيهِ تشبيبٌ وتطريب بامرأة فإنه مُباحٌ ". (6)
وقال الإمام القرطبي: " مِنَ الغِناءِ ما ينتهي سمَاعُهُ إلى التحريم، وذلك كالأشعَارِ التي توصَفُ فيها الصورُ المستحسناتُ والخمر وغير ذلك مما يُحرك الطباع ويُخرجها عن الاعتدال، أو يُثيرُ كامِناً من حُبِّ اللهو ... لا سيما إذا اقترنَ بذلكَ شبَّابَات وطارات مثل ما يُفعلُ اليوم في هذه الأزمانِ ". (7)
2 - وأما إذا لم يشتمل الشعرُ أو النثرُ على شيءٍ مِن ذلكَ، وإنما هو قصائد في الزهد والوعظ المرققة للقلوب فهناك خِلاف بين أهل العلم في حُكمهِ.
¥