ـ[ابو عمر القرشي]ــــــــ[03 - 03 - 06, 01:48 ص]ـ
هذا مقال رائع كتب في مجلة البيان عدد 83 عام 1415 هـ
حكم الإنكار في مسائل الاجتهاد
خالد بن عثمان السبت
تمهيد
جعل الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات صفيه من خلقه صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه حيث قال ((الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباْ عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر)) [الاعراف:157]، وهذا الوصف أيضاً من أخص أوصاف من اصطفاهم من سائر البشر ليكونوا أتباعه ورسله وأنبياءه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله)) [التوبة:71] وبين جل جلاله أوصاف المؤمنين: ((التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر)) [التوبة:112] وجعل الله تعالى مناط خيرية أمتنا الإسلامية بهذا الوصف ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)) [آل عمران: 110].
وهذا الوصف له آداب وضوابط يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر معرفتها والالتزام بها، وسيكون حديثي في هذه الحلقة عن حكم الإنكار في مسائل الاجتهاد وعلى النحو التالي:
أهمية هذه المسألة:
الكلام في هذه المسألة يعتبر من أهم ما ينبغي معرفته في هذا الباب، وذلك لسببين رئيسين:
الأول منهما: كثرة وقوع اللبس والخلط في هذا الجانب .. فإن الكثيرين ممن يتكلمون عن هذه المسألة يعبرون عنها بـ» الإنكار في مسائل الخلاف «فيطلقون القول بـ» عدم الإنكار في مسائل الخلاف «.
ولو جعلنا عبارتهم هذه قاعدة وأردنا تطبيقها لتعطل باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تماماً .. لأن الخلاف واقع في أصول الدين وفروعه في القديم والحديث، فما هو الضابط في ذلك؟ الحق كما قيل:
وليس كل خلاف جاء معتبراً .. إلا خلاف له حظ من النظر
السبب الثاني: هو استغلال كثير من أهل التلبيس والتدليس والخلط، ذكر بعض أهل العلم مثل هذه العبارة في كتبهم .. !! فأصبحت مُعَوّلاً لأولئك لتثبيت جذور التمييع لمسائل الشريعة العلمية والعملية .. !
وإن من عادة أهل البدع إطلاق العبارات المجملة .. والموهومة، ليصلوا منها إلى معان باطلة!! والحق في خلاف مسلكهم هذا .. قال ابن القيم -رحمه الله- في نونيته:
فعليك بالتفصيل والتمييز فالإطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الأذهان والآراء كل زمان
وقال:
فعليك بالتفصيل إن هم أطلقوا أو أجملوا فعليك بالتبيان
وقد علمت مما سبق أنه لا يحكم على الشيء أو الفعل بأنه منكر إلا إذا قام على ذلك دليل من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- أو إجماع المسلمين .. وعليه فإنه إذا وُجد النص فلا عبرة بخلاف المخالف كائناً من كان .. !
فالقول بأن» مثل هذا من المختلف فيه الذي لا ينكر «قول باطل .. وإنما العبارة الصحيحة» لا إنكار في مسائل الاجتهاد «.
فإذا كانت المسألة من مسائل الاجتهاد التي لم يرد فيها دليل من الكتاب أو السنة الصحيحة، أو وقع عليها الإجماع .. أو كانت مما تضاربت فيها الأدلة - ظاهراً - في نظر المجتهد أو خفي المأخذ، أو غير ذلك من الأمور المعروفة، فهذا مسلم، وبه تعلم أن هناك فرقاً بين مسائل الخلاف ومسائل الاجتهاد، فالأولى أعم من الثانية كما هو ظاهر.
والحاصل أنه كلما قوى الخلاف كلما كان العذر أقرب .. والعكس يقال في حال ضعفه.
جاء في نصاب الاحتساب:» .. ومن لم يستر الركبة ينكر عليه برفق لأن في كونها عورة اختلافاً مشهوراً، ومن لم يستر الفخذ يعنف عليه ويضرب لأن في كونه عورة خلافاً عند بعض أهل الحديث «(3).
ومما يُستدل به على بطلان القول بعدم الإنكار في مسائل الخلاف: إنكار الصحابة ومن بعدهم على المخالف للسنة الثابتة كائناً من كان، والأمة مأمورة باتباع نبيها-صلى الله عليه وسلم- وكل من أتى بما يخالف هديه الثابت وسنته فهو مخطئ قطعاً وينكر عليه.
وقد أنكر الصحابة على من منع من التمتع بالعمرة، وعلى من أتم في السفر، وعلى من أباح وطئ المرتدة بملك اليمين، وعلى من حرق الغالية بالنار، علماً بأن القائلين بهذه الأقوال الآنفة الذكر هم من أفاضل الأمة وخيارها بعد نبيها-صلى الله عليه وسلم-، ولا يدانيهم من كان بعدهم لا في علم ولا في تُقىً .. !!
¥