تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

36. هل كون العزيمة جاءت قبل فإن محبة العزيمة هي الأصل المشبَّه به في قوله (كما يحب أن تؤتى عزائمه) ومحبة الرخصة فرع مقيس عليه مشبَّه, والأصل أن المشبَّه أقل من المشبَّه به, فالرخص شبهت في محبة الله جل وعلا لها وإتيانها بالعزائم في محبة الله جل وعلا لها وإتيانها, والأصل أن يكون تشبيه الرخصة بالعزيمة أن تكون العزيمة أفضل من الرخصة لأن المشبَّه به أقوى من المشبَّه في باب التشبيه, فإذا قلت (زيد كالأسد) فالأصل أن يكون المشبَّه وهو زيد أقل من المشبَّه به وهو الأسد, وعلى هذا هل في الحديث ما يدل على تفضيل الرخصة على العزيمة أو العكس؟

37. الأصل العزائم, والعزائم إذا لم يوجد مبيح لتركها فليست المسألة مسألة محبة فقط بل المسألة مسألة ترتيب عقاب على تركها, وبعضهم يفهم من مثل هذا السياق ترجيح الرخص على العزائم عند قيام سببها فيرجحون القصر على الإتمام ويرجحون الفطر على الصيام, لكن الرخص ليست على مستوىً واحد إذا نظرنا إليها مجردة, فلو افترضنا أن شخصاً في آخر رمق وما بقي إلا الموت من الجوع ووجد ميتة هل يقال الأفضل أن يأكل أو الأفضل أن يترك؟ جمع من أهل العلم يقولون يجب عليه أن يأكل حفظاً للنفس, لكن إذا قرر الأطباء أن زيداً من الناس إن لم يعالج مات فهل يجب عليه العلاج؟ بالنسبة للأكل من الميتة حفظ النفس متحقق وأما بالنسبة للعلاج فهو مظنون ولذا يقول شيخ الإسلام (لا أعلم سالفاً – يعني من السلف – أوجب العلاج).

38. على كل حال مسألة الأفضل في القصر والإتمام والصيام والفطر مسألة خلافية بين أهل العلم, والذي يميل إليه جمع من المحققين تقديم إتيان الرخص على العزائم, وأن العزائم تبقى في موضعها والرخص تبقى في موضعها, وأن الإنسان يتصرف مع النصوص كيفما دارت, وما دام النبي عليه الصلاة والسلام لم يحفظ عنه أنه أتم في السفر فالقصر أفضل, وأما بالنسبة للصيام فالنصوص مجتمعة تدل على أنه إذا كان الصيام لا يشق فهو من أفضل الأعمال, وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه صام في السفر, وإذا كان يشق فثبت عنه أنه قال في الصائمين في السفر (أولائك العصاة) وقال (ليس من البر الصيام في السفر) وقال (ذهب المفطرون بالأجر) وهذا مع المشقة.

39. حديث أنس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين): الميل يعادل كيلومترين إلا ثلث, وثلاثة الأميال تعادل خمسة كيلومترات, والفرسخ الواحد يعادل ثلاثة أميال, وثلاثة الفراسخ تعادل خمسة عشر كيلومتراً.

40. (أو) في الحديث للشك والتصريح في الصحيح أن الشك من شعبة.

41. الحديث يبين أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال قصر الصلاة, وقد صلى الظهر بالمدينة أربع ركعات وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين, وذو الحليفة قريبة جداً من المدينة, المسافة بينها وبين المدينة أقل من فرسخ, وعلى هذا يحمل حديث الباب على مفهوم الحديث الثاني, فحديث الباب يفيد أنه يترخص بمجرد ما يخرج من عامر البلد ويتلبس بالوصف الذي عُلِّقَ به الترخص, وهذا الوصف هو السفر.

42. ليس في حديث الباب ما يدل على تحديد مسافة السفر وأنه إذا كانت هذه المسافة هي منتهى السفر يعتبر مسافراً وله أن يترخص, بل فيه دليل على أنه بمجرد ما يفارق البلد ولم تكن غاية السفر إلى هذه المسافة فإنه يباشر الرخص, لأن النبي عليه الصلاة والسلام قصر في أقل من فرسخ في ذي الحليفة, لكن ليس هذا منتهى السفر.

43. الوصف الذي عُلِّقَ به الترخص هو السفر, فلا بد من التلبس بهذا الوصف ليتم الترخص, وعلى هذا إذا أراد الإنسان أن يسافر ولم يخرج من البلد وكان عازماً على السفر فليس له أن يقصر قبل أن يتلبس بالسبب المبيح, وجاء في حديث أنس أنه لما أراد أن يسافر وقبل أن يخرج أفطر ورفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام, وفي هذا تنزيل للعزم منزلة الفعل, ولو ثبت هذا الحديث الذي صححه بعض المتأخرين لكان حجة, لكن الحديث فيه مقال, فيبقى أن السبب المبيح للقصر وللفطر هو السفر, ولا يجوز أن يترخص الإنسان حتى يباشر السبب الذي عُلِّقَ عليه الترخص.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير