تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

44. إذا كان البلد له مطار, وهناك فاصل بين البلد وبين المطار, فإذا فارق البنيان وكان في المطار هل له أن يترخص؟ الجواب: ليس له أن يترخص, لأنه ما دام في مطار البلد فهو لم يفارق البلد, والمساحة التي بين المطار وبين البلد بمثابة الفجوات التي توجد داخل المدن, ولذلك إذا وصل إلى مطار الرياض مثلاً قيل (وصلنا إلى الرياض) بمجرد وصول المطار, فالمطار من البلد, والذي في المطار لم يباشر السبب مادام باقياً في المطار, ولا يقال إنه مسافر حتى يفارق هذا العامر.

45. قد يوجد من يفتي بأنه إذا كان في المطار فإنه قد خرج من البلد وترك البلد وراء ظهره وينظرون في هذا إلى مصلحة تحصيل الوقت أو تحصل الإتيان بالصلاة على وجهها, لأنه قد يتواجد في المطار في وقت صلاة الظهر مثلاً والسفر طويل وإن لم يجمع إليها العصر وأخرها إلى أن يصل إلى المطار الثاني يكون الوقت قد خرج, وإن صلى على حسب حاله في الطائرة فإنه يأتي بالصلاة على وجهٍ فيه شيء من الخلل يقتضيه ظرف الركوب وظرف المكان, فهم تحصيلاً لمصلحة الإتيان بالصلاة على وجهها يفتون بجواز جمع التقديم في هذه الحال باعتبار أن المطار خارج البلد, لكن يبقى أن المسألة مسألة شرعية معلقة بوصف, فالأمر عظيم, وما دام في المطار فإنه لم يفارق البلد فليس له أن يترخص حال كونه في المطار.

46. مسافة القصر مسألة خلافية بين أهل العلم, والجمهور على تحديد المسافة والأكثر على مسيرة يومين أربعة برد ثمانين كيلومتراً, فإذا وجدت هذه المسافة جاز الترخص.

47. يجوز الترخص إذا كان الباعث على السفر مباحاً أو مستحباً أو واجباً, وأما إذا كان السفر سفر معصية فالجمهور على أنه لا يترخص لأنه ينبغي ألا يُعَان على تحصيل معصيته, والرخص لا شك أنها إعانة للمسافر, وعند الحنفية يجوز له أن يترخص لأن الحكم عُلِّقَ بسبب ووُجِدَ السبب بغض النظر عن الأهداف والمقاصد.

48. لكن إذا قلنا للمسافر في سفر معصية (بدلاً من أن تصلي أربع ركعات صل ركعتين) فكأننا نقول له (اغتنم الوقت لتحصيل هذه المعصية) , ولذا جاء في الأكل من الميتة للمضطر التقييد بكونه غير باغٍ ولا عادٍ فدل على أنه لو كان باغياً أو عادياً فإنه لا يجوز له أن يأكل من الميتة, ويقاس عليها بقية الرخص, فلا يجوز له أن يقصر ولا يجوز له أن يجمع ولا يجوز له أن يمسح أكثر من يوم وليلة ولا يجوز له أن يأكل من لحم الميتة فليس له أن يترخص ما دام عاصياً في سفره.

49. منهم من يقول بأن المسافة مسيرة يوم للنهي عن سفر المرأة بغير محرم مسيرة يوم, وكأن هذا هو المرجح عند الإمام البخاري, ومسيرة اليوم تقدر بأربعين كيلومتراً.

50. حينما تربط المسافة بالوقت وتقدر هذه المدة المقررة بالكيلومترات يصير المرجع المسافة لا الوقت والمدة, والجمهور قدروا المسافة حتى قالوا (ولو قطعها في ساعة).

51. جاء أيضاً النهي عن أن تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم وجاء أيضاً النهي عن ذلك من غير تقييد فدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تسافر ولا يجوز لها أن تباشر السفر ولا يجوز لها أن تخرج من البلد إلا بمحرم والمدة غير مرادة بدليل تفاوت هذه الأزمنة, فلا يجوز للمرأة بحال أن تخرج من البلد بغير محرم, فمفهوم المدة غير مراد لأنها جاءت متفاوتة, والذين استدلوا بهذه الأحاديث على تقدير مسافة القصر اعتمدوا المسافة فصارت المسافة هي المرجع لا الوقت, والأكثر على اعتماد مسيرة يومين مرحلتين ثمانين كيلومتراً كالمسافة من مكة إلى الطائف أو من مكة إلى جدة أو من مكة إلى عسفان كما يقول الصحابة, وما دون ذلك فليس بمسافة قصر.

52. من أهل العلم من يرى أنه لا تحدد المسافة بمقدار معين لأنها جاءت مطلقة في النصوص, وكيف نحدد ونقيد ما أطلقه الله جل وعلا في كتابه؟!! وهذا ما يراه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى. يقول رحمه الله (جاء السفر غير مقيد - لا مدة ولا مسافة - فكيف نقيد ما أطلقه الله جل وعلا).

53. التقييد بأربعة بُرُد - ثمانين كيلومتر - ثابت عن الصحابة, ورأي شيخ الإسلام وجيه, والأدلة التي يعتمد عليها الجمهور قد لا تكون في صراحتها في الدلالة على المطلوب بقوة ما يقوله شيخ الإسلام, لكن إذا نظرنا إلى الآثار المترتبة على إطلاق السفر في مسافته وفي مدة الإقامة وجدنا أن التحديد وسلوك مذهب الجمهور أضبط وأحوط للعبادة. وكان الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى يفتي بقول شيخ الإسلام ثم رجع عنه إلى قول الجمهور لأنه أضبط للعبادة.

54. المشقة غير منظور إليها في تحديد مسمى السفر, وإن كان الأصل في السفر أنه شاق, والرخص إنما جاءت لإزالة هذه المشقة, لكن ومع ذلك فإن من سافر بدون مشقة إطلاقاً لا يمنع من الترخص.

55. السفر في لغة العرب من البروز فإذا قيل (سافر فلان) فالمعنى (برز عن بلده) , وقيل سمي سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ويبرزها, ومنه قيل للمرأة التي تبرز محاسنها سافرة.

56. السلف بما في ذلك بعض الصحابة فهموا أن السفر لا بد من ضبطه, والشيخ ابن باز كان يفتي بالإطلاق بقول شيخ الإسلام ثم رأى أن المصلحة في ضبط الأمر ولا ينضبط الناس إلا بتقدير معين في المسافة والمدة التي هي أربعة أيام.

57. لا يقال إن أثر السفر هو الضابط اعتماداً على ما جاء في حديث جبريل (ولا يرى عليه أثر السفر) لأنه يوجد في هذه الأزمان من يسافر ألوف الأميال ومع ذلك لا يرى عليه أثر السفر, فلا يُمنَع من الترخص, وقد يحصل للمقيم من الأثر أكثر مما يحصل للمسافر في هذه الأزمان.

58. ما يستدل به الجمهور قد لا يقوى على الدعوى, لكن الإطلاق الذي يميل إليه شيخ الإسلام ومن يقول بقوله لا يمكن ضبطه, والصحابة الذين هم سادة الأمة أولى بالتقليد من غيرهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير