تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحج أحد أركان الإسلام الخمسة، والسعي بين الصفا والمروة أحد أركان العمرة إن كانت مفردة، فإن الحال يدعونا إلى بيان المراد بكل من الصفا والمروة، وامتداد عرض كل منهما؛ حتى يقع سعينا في الموضع الذي سماه الله لنا، وعيَّنه لأداء تعبدنا له فيه إذا وسعنا عرضه.

تعريف الصفا ووصفه:

وهنا أقول: إن الصفا الوارد ذكره في قول الله عز وجل:"إن الصفا والمروة من شعائر الله .. " [البقرة:158] (جبل في سفح جبل أبي قبيس) (مجلة العرب المجلد الخامس صـ 116 شعبان عام 1390هـ) معروف بذاته وصفاته يمتد ارتفاعاً في سنده (السند هنا ما قابلك من الجبل وعلا عن سفحه، القاموس المحيط مادة سند)، ويمتد في أصله وقاعدته الغربية جنوباً إلى منعرجه نحو أجياد الصغير (موضع قصر الضيافة اليوم)، ويمتد شمالاً إلى منعطفه نحو البطحاء (موضع الساحة الواقعة اليوم أمام باب العباس).

وليس الصفا مقصوراً على الحجر الأملس الذي كان موجوداً هنالك، ولا على ما هو مشاهد اليوم في الموضع الذي يبدأ منه الساعون سعيهم كما يتبادر إلى بعض الأذهان من مشاهدة العيان، إذ لو كان الأمر كذلك لاستدعى الحال أن نضيق من عرض المسعى!!

وهذا مما لا يقول به عاقل.

وكانت أحداب ومرتفعات جبل الصفا الغربية مما يلي أجياد تمتد ظاهرة للعيان قبل أن تبدأ الهدميات لتوسعة المسعى والمسجد الحرام من ناحيته الجنوبية وغيرها في شهر صفر عام 1375هـ في عهد الملك سعود رحمه الله، وكان على أحد أكتافه الممتدة جنوباً المتصلة بجبل أجياد الصغير ثنية يُصعد إليها من أجياد الصغير، ثم تنحدر منها طريق تمر وسط سقيفة مظلمة، ومنها تنزل الطريق من فوق هذا الجبل متعرّجة بين البيوت المنتشرة على تلك المنطقة من جبل الصفا حتى تصل إلى الصفا الذي يبدأ الساعون منه سعيهم من غربه.

كما كانت البيوت السكنية شابية على جبل الصفا من كل ناحية تفترش قمته وأكتافه، وظهره وسفحه الشمالي والجنوبي ووسطه وما يحيط بموضع ابتداء السعي منه، فغطّت معالمه ومنحدراته التي تعلوها في الجبل أصلاد (صخور) جبل أبي قبيس التي استعصى كثير منها على التسهيل لبناء الناس عليها يوم ذاك.

ولما ابتدأت هدميات هذه التوسعة ظهر للعيان جبل الصفا على حقيقته الجغرافية الطبيعية التي خلقه الله عليها يوم خلق السماوات والأرض، وأن امتداد طرفه الغربي الجنوبي المحاذي لسيل البطحاء من جنوبها كان يصل قبل إزالته في التوسعة إلى موضع الباب الشرقي للسلم الكهربائي الصاعد اليوم إلى الدور الثاني من المسجد الحرام من ناحية أجياد، وإلى موضع قصر الضيافة الملاصق للبيوت الملكية من الجهة الجنوبية، الذي موضعه الحالي جزء مرتفع من جبل الصفا.

فلا تعجب -والحال ما ذكرت لك- من تسمية كل هذه المنطقة من هذا الجبل باسم (جبل الصفا)؛ لأن أهل مكة في إبان أرومتهم العربية في الجاهلية والإسلام هم الذين سموه بهذا الاسم، وتبعهم في ذلك سكانها من بعدهم، إذ كان من عادة واضعي اللغة الذين يحتج بكلامهم في بيان المراد بمعاني الألفاظ في تفسير القرآن وغريب الحديث النبوي أن يسموا بعض أجزاء جبل ما، أو واد ما باسم خاص به يميز ما سموه منه عن اسم أصله لوصف قائم بذلك الجزء من الجبل، أو الوادي كما هو الحال في تسميتهم أصل جبل أبي قبيس من ناحيته الغربية والغربية الجنوبية وما بينهما من امتداد بالصفا الذي جعله الله عز وجل من شعائره في قوله:"إن الصفا والمروة من شعائر الله".

وقد ورد إطلاق اسم (جبل الصفا) على هذه المنطقة من هذا الجبل عند علماء العربية في مدوناتهم العلمية اللغوية فقال الأزهري في كتابه تهذيب اللغة:"الصفا والمروة وهما جبلان بين بطحاء مكة والمسجد" (تهذيب اللغة 12/ 249)، وكذلك قال ابن منظور في لسان العرب (لسان العرب 14/ 469)، وقال ابن الأثير في النهاية:"الصفا أحد جبلي المسعى" (النهاية في غريب الحديث والأثر 3/ 38)، وقال أبو حفص الحنبلي في تفسيره لهذه الآية:"الصفا والمروة هما في الآية الكريمة علمان لجبلين معروفين" (اللباب في علوم الكتاب 3/ 92)، وقال القرطبي:"أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس، وهو هنا جبل بمكة معروف، وكذلك المروة جبل أيضاً، ولذلك أخرجهما بلفظ التعريف" (الجامع لأحكام القرآن 2/ 179).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير