ومن هنا يتحرر موطن النزاع في هذه المسألة، وهو: هل هذه الزيادة داخلة في حدود مشعر الصفا والمروة فتكون جائزة، أو خارجة عنها فلا تجوز؟ وهذا يعني أنَّ المسألة مسألة إثبات إن وجد الدليل الصحيح المثبت فإنه يجب على الجميع القبول بمقتضاه، وإن لم يوجد فلا يجوز العمل بدون دليل، ويتعيَّن حينئذٍ البقاء على الأصل.
3 – حكم السعي:
أ- السعي بين الصفا والمروة شعيرة في الحج والعمرة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158].
وقد جاء في سبب نزول هذه الآية أن أهل الجاهلية كانوا يسعون بين الصفا والمروة لصنمين، صنمٌ على الصفا يسمى إسافاً، وآخر على المروة يسمى نائلة، فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان ترك بعض المسلمين السعي بين الصفا والمروة لظنهم أن ذلك إنما كان من أجل الصنمين الذين كانا عليهما ([3] ( http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103566&page=4#_ftn3)).
قال أبو طالب في قصيدته المشهورة:
وحيث يُنيخ الأشعرون ركابهم لمفضي السيول من إسافٍ ونائل ([4] ( http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103566&page=4#_ftn4))
وروى عروة بن الزبير قال: سألت خالتي عائشة رضي الله عنها، فقلت: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]. فوالله ما على أحدٍ جناحٌ ألَّا يطوف بالصفا والمروة! قالت: بئسما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله ? عن ذلك، قالوا يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ} وقد سنَّ رسول الله ? الطواف بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بينهما ([5] ( http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103566&page=4#_ftn5)).
قال بعض أهل العلم: إن الآية نزلت في الذين كانوا يتحرجون من أهل الجاهلية من الطواف بين الصفا والمروة لأنهم يصلون لمناة، وفي الصحابة الذين تركوا الطواف بالصفا والمروة لأن القرآن جاء بالأمر بالطواف بالبيت، ولم يأت بالأمر بالسعي بين الصفا والمروة.
ب – أمر النبي ? بالسعي في قوله: «يَاأَيُّهَا النَّاسُ اسعُوا فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْي» ([6] ( http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103566&page=4#_ftn6)).
ج – سعي النبي ? بين الصفا والمروة في حجِّه وعُمَره كلها، وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام عندما جاء للسعي: «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» ([7] ( http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103566&page=4#_ftn7))، وابتدأ السعي من الصفا، يتأول في ذلك البداءة أولاً بالصفا في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ}، وجاء عنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قوله: «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ([8] ( http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103566&page=4#_ftn8))، وكان مما فعله في نسكه ذاك السعي بين الصفا والمروة.
د – أجمع المسلمون أن السعي بين الصفا والمروة من شعيرة الحج والعمرة.
4 - مكانه: السعي بإجماع علماء المسلمين بين الصفا والمروة كما دلَّت على ذلك الأدلة المتقدمة، والصفا جمعٌ واحدته صفاه، وصفوانه، وهي الحجر الأملس، قال ابن فارس ([9] ( http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=103566&page=4#_ftn9)): « الصاد والفاء والحرف المعتلُّ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلوصٍ من كلِّ شوب، ومن الباب الصفا، وهو الحجر الأملس، وهو الصفوان، والواحدة صفوانه، سميت صفوانه لأنها تصفو من الطين والرمل»، قال الأصمعي: «الصفوان والصفواء والصفا كله واحد».
قال امرؤ القيس في وصف فرسه:
¥