تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانياً: مناقشة أدلة من أجاز التوسعة الجديدة:

1 – استدلوا بأن هذه التوسعة واقعة في حدود مشعر الصفا والمروة، بدليل امتداد أكتاف جبل الصفا وجبل المروة من الناحية الشمالية الشرقيةوالجنوبية الشرقية، وهذا يُناقش بأن الجبال في هذه المنطقة متصلة ببعضها فلا يتحقق التمييز بين المدعى وغيره، والشريعة ربطت السعي بالصفا والمروة، وهذه أسماء معروفة لها دلالاتها في اللغة، فيرتبط السعي بما يصدق عليه الاسم الخاص (الصفا والمروة)، وهما موجودان الآن ... (الصفا): وهو الصخرات الملساء من الناحية الشرقية، (والمروة): وهي العروق البيضاء المقابلة لها في الجبل الآخر.

ويُجاب عن ذلك بأن المقصود ليس خصوص الصخرات الملساء، ولا المروة البيضاء، وإنما المقصود الجبل الذي يحويهما بدليل أنَّ كل من عرَّف بالصفا والمروة ذكر أنهما جبلين فيكون تسمية للكل باسم البعض.

2 – قولهم إن المسعى في عهد النبي ? كان أوسع مما هو عليه الآن، وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين ثم نقل إلى مكانه الحالي توسعة للمسجد.

وهذا يُناقَشُ بأنَّ امتداد المسعى إلى الجنوب مسلَّم، لكن الخلاف في امتداده إلى جهة الشمال الشرقي والجنوب الشرقي زيادة على المسعى القديم.

3 – لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولا عن أحدٍ من العلماء تحديد توقيفي لعرض المسعى، ويمكن أن يناقش هذا بأن قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ}، وفعل النبي عليه الصلاة والسلام في سعيه هو التحديد التوقيفي لعرض المسعى فيما بين الصفا والمروة، لأنه رُبط حكم السعي بهما.

ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأن ما ذُكر من الأدلة التي تحدد حكم السعي فيما بين الصفا والمروة مسلَّم، وهذه الزيادة داخلة في حدود ما نصَّت الشريعة عليه.

4 - قولهم: إن السعي أحد النسكين (الطواف والسعي) وقد ثبت جواز توسعة مكان الطواف عدة مرات في عهد الخلفاء الراشدين فمن بعدهم من غير نكير، فكذلك تجوز توسعة مكان النسك الآخر (السعي).

ويناقَش هذا بأن هناك فارقاً بين الطواف والسعي، فإن مكان الأول حول الكعبة، ففي أي مكان طاف الإنسان حول الكعبة قريباً منها أو متباعداً عنها فإنه طائفٌ حولها، بخلاف السعي فإنه لا يصح إلا في مسافة محددة هي ما كان مشمولاً بحدود الصفا والمروة أما إذا جاوزهما فسعيه غير صحيح بالإجماع.

5 – قولهم إن اللجان التي بحثت في توسعة المسعى من أهل العلم لم تتوصل إلى قرار يقيني يجب المصير إليه في عرض المسعى، وقد ذكروا في القرار الأول أن تحديد عرض المسعى تقريبي، وفي القرار الثاني أن هذا التحديد للاحتياط والتقريب، وهذا لا يلزم منه عدم جواز البحث في المسألة، ولا إثبات ما ظهر لغيرهم ولم يظهر لهم.

ويمكن أن يناقش هذا بأن هؤلاء من العلماء العارفين أهل الخبرة، وقد بحثوا واستقصوا وراجعوا أقاويل العلماء في المذاهب وكتب التاريخ التي تحدثت عن المسعى، فقولهم ليس مبنياً على الهوى والتشهي، بل هو قولٌ صادرٌ عن أهله، فينبغي أخذه بعين الاعتبار.

ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن أقدار العلماء محفوظة، واجتهادهم مقدَّر، ولكن المسألة في محل النظر، فإذا تبين لغيرهم ما لم يتبين لهم من اتساع حدود الصفا والمروة فإنه يجب حينئذٍ العمل بما ظهر لهم، لأن كلام العلماء المشار إليهم مؤداه نفي العلم بامتداد حدود الصفا والمروةإلى ما وراء ذلك، فإذا ثبت لدى غيرهم امتداد هذه الحدود شمالاً فإنه يجب المصير إليه لأن المثبت مقدم على النافي.

6 – قولهم إن في توسعة المسعى تيسيراً على الحجاج والمعتمرين ورفعاً للحرج عنهم، واستدلالهم بعدد من القواعد الفقهية المتصلة بهذا الأمر.

يناقش هذا الدليل بما يلي: إن التيسير ورفع الحرج من المبادئ الشرعية المقررة، ولكن يجب أن يكون ذلك في الحدود التي لا تؤدي إلى إبطال أو تغيير دلالة الأدلة الشرعية، وقولهم إن للزيادة حكم المزيد، وأن الأمر إذا ضاق اتسع، وما في معناها من القواعد أمور مسلمة لها مجال محدد لإعمالها وليس منه تغيير ما كان من الشعائر المرتبطة بمشاعر معينة، كعرفة ومنى ومزدلفة، والصفا والمروة، وكذلك التقديرات الشرعية للزكوات، وللحدود والكفارات، وأعداد الصلوات ومواقيتها وغير ذلك مما هو معلوم مقرر، والسعي ارتبط بمكانٍ محدد شرعاً لا يجوز تغييره ولا الزيادة عليه، فلا مجال لإعمال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير