وممن اعتنى بذكر عرضه أيضا: الفاكهي؛ فقد قال رحمه الله في أخبار مكة 2/ 243: (وذرع ما بين العلم الذي على باب المسجد إلى العلم الذي بحذائه على باب دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه -وبينهما عرض المسعى- خمسة وثلاثون ذراعا واثنتا عشرة أصبعا) فيكون العرض: ستة عشر مترا تقريبا.
وقد تابعه على هذا جماعة من فقهاء الشافعية؛ كما في تحفة المحتاج وحاشية البجيرمي على المنهاج وحاشية الجمل وحواشي الشرواني وحاشيتا قليوبي وعميرة وغيرها.
ومما يضاف إلى ذلك: ما أورده القطب الحنفي في كتابه الإعلام 104 - 106 (نقلا عن تحصيل المرام للصباغ 1/ 346 - 348) في قصة تعدي أحد التجار –واسمه: ابن الزمن- على المسعى حين اغتصب من جانبه ثلاثة أذرع ليجعلها ضمن أرض يبني عليها رباطا للفقراء؛ فمنعه قاضي مكة ابن ظهيرة وجمع محضرا من العلماء وفيهم من علماء المذاهب الأربعة وقابلوا هذا التاجر (وأنكر عليه جميع الحاضرين وقالوا له في وجهه: أنت أخذت من المسعى ثلاثة أذرع وأدخلتها، وأحضروا له النقل بعرض المسعى من تاريخ الفاكهي، وذرعوا من جدار المسجد إلى المحل الذي وضع فيه ابن الزمن الأساس فكان عرض المسعى ناقصا ثلاثة أذرع).
وأما عن تحديد عرض الصفا والمروة: فقد تقدم أن السعي شرعا هو ما بين الصفا والمروة، وقد كان المتقدمون –ممن وقفت على كلامهم- يكتفون بالوصف الإجمالي لهما.
ومن تأمل ما ذكره العلماء في هذا الموضع يقطع أن الصفا والمروة جُبيلان صغيران، وسيأتي النقل في هذا -بعون الله- مفصلا.
أما عن المعاصرين: فإن منهم من اعتنى بتحديده تحديدا دقيقا؛ من ذلك ما قام به المؤرخ الأستاذ حسين باسلامة؛ فإنه قام بذرع عرض الصفا؛ فقال: (وعرض أصل الصفا التي عليها الثلاثة العقود (12) مترا) تاريخ عمارة المسجد الحرام ص 303.
كما قامت اللجنة التي كُلفت في عهد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والمكونة من الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والشيخ عبدالله بن جاسر، والشيخ عبد الله بن دهيش، والشيخ علوي مالكي، والشيخ محمد الحركان، والشيخ يحيى أمان، بحضور صالح قزاز وعبد الله ابن سعيد مندوبي الشيخ محمد بن لادن بذرع الصفا كاملا –بما في ذلك ما زاد على العقود الثلاثة- وكان فيما قررت اللجنة: (وبناء على ذلك فقد جرى ذرع عرض الصفا ابتداء من الطرف الغربي للصخرات إلى نهاية محاذاة الطرف الشرقي للصخرات المذكورة في مسامتة موضع العقود القديمة، فظهر أن العرض المذكور يبلغ ستة عشر مترًا) فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 5/ 148
وسبب الاختلاف بين التقديرين راجع إلى أن باسلامة قد ذرع ما عليه العقود الثلاثة فقط، أما اللجنة فقد ذرعت أصل الصفا، وفيه قدر زائد على ما وضعت العقود عليه.
والملاحظ أن هذه المسافة التي ذكرها أعضاء اللجنة توافق تحديد العلماء لعرض المسعى قديما تقريبا منذ عهد الأزرقي (ت223هـ، أو250هـ) وإلى هذا العصر، مرورا بمن ذُكر سابقا؛ وهذا يرد قول من قال: إن ما ذُكر في كتب العلماء من تحديد للمسعى ما هو إلا حكاية للواقع؛ لأنه لو كان كذلك لاختلف من عصر إلى عصر؛ والواقع خلاف ذلك؛ فجميع من حدّد عرض المسعى متفقون في تحديدهم أو متقاربون؛ من عهد الأزرقي وإلى هذا العصر.
وإذا كان هناك اختلاف بين تلك التحديدات السابقة فهو يسير لا يتجاوز المتر إلى المترين؛ والخطب في ذلك يسير، إذ ذراع اليد ليس مقياسا منضبطا؛ وإنما هو مقياس تقريبي، والأذرع متفاوتة طولا وقصرا، ثم إن هناك أنواعا من الأذرع سوى ذراع اليد؛ فثمة ذراع الحديد، والذراع الهاشمية، وكل ذلك معروف في كتب أهل العلم؛ فقد يكون تفاوت التقديرات لتفاوت نوع الذراع، والله أعلم.
غير أن الذي لا شك فيه أن التوسعة السعودية الأولى –عند مقارنتها بكلام العلماء في تحديد المسعى- قد جاءت مستوعبة لعرضه على أوسع تقدير؛ فليس هناك مجال للزيادة عليها.
¥