تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن هذا كله كان على مرأى من علماء مكة ووجهائها وبقية علماء البلاد وغيرها.

إن هذه الحقبة المهمة في تاريخ المسعى وما يتعلق بها من خلفيات وملابسات لا يناسب أن يُتعامل معها بغض الطرف، ولا أن تُتناول بأطراف الأصابع؛ بل ينبغي أن تقدر قدرها، وأن تُعطى أهميتها اللائقة بها.

إن أي رأي يُطرح هذه الأيام يدعو إلى توسعة المسعى يجب أن يستحضر جيدا وضع المسعى الحالي ولِم كان بهذه الحدود المعروفة، وهل ما يخالف هذه الحدود يستند إلى ما هو أقوى؟

أعتقد أن من أنعم النظر وأنصف سيجيب بالنفي، ولعل في الصفحات الآتية تجلية الأمر.

ويحسن التنبيه ههنا إلى ما يشير إليه بعضهم من أن اقتصار اللجان العلمية إبان التوسعة السابقة على هذا القدر الحالي إنما كان لأجل أنهم رأوا أن الاقتصار على هذا القدر كافٍ ومؤدٍ للغرض بالنظر إلى أعداد الحجاج والمعتمرين في ذاك الزمان؛ كلا؛ لم يكن الأمر كذلك؛ فإن من يتأمل ما قرره المشايخ –كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم- يلحظ أنه كان ثمة رغبة جادة في معرفة جميع ما يمكن دخوله في حدود المسعى وإضافته إلى المشروع توسعةً على المسلمين وتخفيفاً لتزاحمهم.

الاستدلال الأول: شهادة الشهود بأن الصفا والمروة كانا أوسع مما عليه عرض المسعى حاليا.

فقد اشتهر أن جماعة بلغوا نحوا من ثلاثين من معمري أهل مكة قد شهدوا بأنهم أدركوا جبلي الصفا والمروة أوسع مما عليه عرض المسعى حاليا بما لا يقل عن عشرين مترا، بل ذكر بعضهم أن الجبلين متسعين شرقا اتساعا كبيرا، وأن لهما أكتافا، وأنه قد قام عليهما بيوت ومساكن.

والظاهر من حال المستدل بهذا الدليل أنه لا ينازع في أن المطلوب شرعا أن يكون السعي فيما بين الصفا والمروة ولا يخرج عن حدودهما، غير أنه ينازع في قصر المسعى على هذا القدر الموجود الآن، ويرى أن عرض المسعى الحالي أقل من عرض الجبلين سابقا؛ وبناء عليه فإنه لا يرى حرجا في توسعة المسعى؛ لأن هذه التوسعة لن تخرج عن عرض الجبلين.

هذا باختصار تقرير هذا الاستدلال، وهو –فيما يبدو- أقوى ما احتج به المجيزون.

والذي يظهر –والله تعالى أعلم-أنه دليل ضعيف جدا؛ وبيانه بأمرين:

الأمر الأول: أن شهادة هؤلاء الشهود إنما هي في أمر ظاهر للعيان؛ لأنها شهادة برؤية جبل كبير متسع، وعليه فيقال: إن شهادتهم هذه معارَضة بشهادة تخالفها، وهي أرجح منها؛ ويظهر هذا بما يأتي:

أ- أن اللجان المشكلة لدراسة وضع المسعى إبان التوسعة السعودية الأولى قد شهدت بخلاف ذلك؛ وهو وأن جبلي الصفا والمروة إنما هما بهذا العرض الذي جُعل عليه المسعى الحالي؛ ومن نظر في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم (5/ 138 - 149) علم صدق ذلك.

وتوضيح ذلك: أن هذا التحديد قد شهد به أعضاء اللجنة المكونة لدراسة وضع الصفا ودخول دار الشيبي ومحل الأغوات الواقعين بين موضع الصفا وبين الشارع العام الملاصق للمسجد الحرام مما يلي باب الصفا، وذلك في عام 1374هـ -وهم: الشيخ عبد الملك بن إبراهيم، والشيخ عبد الله ابن دهيش، والشيخ علوي مالكي- وقد قاموا بهذا وشاهدوا الواقع بأنفسهم؛ فقد جاء في قرارهم: (فقد توجهنا فوقفنا على "الميل" المذكور. وصحبنا معنا مهندسًا فنيًا، وجرى البحث فيما يتعلق بتحديد عرض المسعى مما يلي الصفا) فتاوى ابن إبراهيم 5/ 139

وقد قاموا –كما جاء في منصوص القرار- بالإضافة إلى هذه المعاينة بمراجعة كلام العلماء والمؤرخين فيما يتعلق بذلك، وساقوا جملة من نصوصهم التي وقفوا عليها، كما قاموا بمراجعة بعض الصكوك المسجلة بالمحكمة الكبرى بمكة، وسؤال أغوات الحرم عن تاريخ وحدود دارهم.

وتُوج هذا بوقوف الشيخ محمد بن إبراهيم على هذا الواقع مع عدة من الثقات؛ ففي الفتاوى 5/ 139: (فبعد الوقوف على هذا الموضع في عدة رجال من الثقات رأيت هذا القرار صحيحًا، وأفتيت بمقتضاه، قاله الفقير إلى عفو الله محمد بن إبراهيم آل الشيخ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير