تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات 3/ 181: (وأما المروة فلاطية جدا، وهي أنف جبل قعيقعان، وهي درجتان، وعليها أيضا أزج كإيوان، وعرض ما تحت الأزج نحو أربعين قدما). ومعنى لاطية أي منخفضة.

وقد نقل هذا النقل عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي 3/ 600.

ويؤيد ما ذكره النووي ما ذكره إمام الحرمين الجويني في نهاية المطلب 4/ 305: (وكانت الكعبة تبدو في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الجهة أيضا، ثم أحدث الناس الأبنية فحالت بين الكعبة وبين الراقين في المروة بالقدر المشروع).

وكل أحد يدرك أن بيوت الناس في تلك العهود السالفة لم تكن شاهقة وإنما قصيرة؛ فلو كانت المروة جبلا كبيرا شاهقا ممتدا –كما يتصور بعضهم- هل تحول تلك البيوت القصيرة دون رؤية البيت العتيق؟

خامس عشر: وصف الصفا بالصخرات الملساء التي تقع في سفح جبل أبي قبيس.

كما في فتاوى الشيخ ابن إبراهيم 5/ 148

هذه جملة من كلام العلماء في هذا الشأن، وأظن أن من تتبع تتبعا أكثر سيقف على أضعاف هذه النقول.

أقول: مع النظر في كلام هؤلاء العلماء بإنصاف؛ هل يصح أن يقال: إن الصفا والمروة جبلان كبيران ممتدان؟

وهل يقبل منصف بأن تُرمى شهادات العلماء والمؤرخين وهي بالعشرات وفي عصور مختلفة دون أدنى اعتبار ويقدم عليها شهادات هي في أحسن أحوالها قد وهِم أصحابها؟

وشيء ثالث: قرأت وسمعت كثيرا كلام القائلين بأن الصفا والمروة جبلان كبيران ممتدان؛ غير أني لم أجد كلمة واحدة يبين فيها هؤلاء الفرق بينهما وبين جبلي أبي قبيس وقعيقعان؛ مع أن الجميع متفق على أنهما متصلان بهما وفرعان عنهما، والجميع –أيضا- متفق على أن العبادة إنما تعلقت بالصفا والمروة لا بذينك الجبلين؛ فهل يستطيعون ذكر الحد الفاصل بين هذين وهذين حتى يُعلم محل العبادة الشرعي؟ وهل يمكنهم التمييز بين الأصل والفرع؟ وإذا أمكن التمييز؛ فما هو الدليل عليه؟

أجزم أنه لا جواب على هذا السؤال.

أما المانعون فالأمر عندهم واضح؛ إذ إنهم يميزون بين هذين وهذين، ودليلهم: تواتر المسلمين العملي المؤيد بكلام العلماء والمؤرخين من السابقين واللاحقين، والله المستعان.

وقبل أن أختم الكلام عن هذا الاستدلال أشير إلى ثلاثة أمور:

الأول: قد يقول قائل: هل يمكن توجيه شهادة الشهود الجدد في ضوء كلام أهل العلم الثقات المتقدمين والمتأخرين؟

والجواب: من خلال العرض السابق اتضح أن تخطئة المشايخ وأهل العلم السابقين واللاحقين لا يمكن القول بها مطلقا؛ إذ لا مقارنة بين قوة شهادة أهل العلم والتي تأيدت بكلام العلماء والمؤرخين -مما سبق بيانه- وبين هذه الشهادات الجديدة؛ فلم يبق إلا نسبة الوهم إلى الشهود الحاليين، وقد أوردت سابقا إيرادات تدل على ضعف شهادتهم.

وإحسانا للظن بهم يقال: قد يكون سبب الوهم منهم أحد أمرين: إما أنهم خلطوا بين الصفا وأبي قبيس، وبين المروة وقعيقعان؛ فظنوا أن الذي شاهدوه كبيرا متسعا نحو الشرق: الصفا والمروة، والواقع أنهما جزآن من أبي قبيس وقعيقعان –الجبلين الكبيرين المشرفين على المسجد وعلى الصفا والمروة-.

أو أن يكون قد اشتهر عند العامة في الفترة الماضية –إبان الفترة التي أدركها أولئك الشهود وما قبلها- إطلاق اسمي الصفا والمروة لا على القطعة المخصوصة من أبي قبيس وقعيقعان وإنما عليهما جميعا أو على قدر منهما أكبر من الواقع؛ فيكون من باب إطلاق اسم الفرع على الأصل لشرفه، وهو –إن صح- اصطلاح حادث لا يغير من الحقائق الشرعية شيئا.

أقول: لعل هذا هو سبب دخول الوهم على الشهود.

ويؤكد حصول الوهم –علاوة على ما مضى- أنه لم يذكر المتقدمون وجود بيوت مسكونة على الصفا والمروة، وإنما ذكروا هذا على أبي قبيس وقعيقعان، وهذا قد ذكره غير واحد؛ ومنهم ابن جبير في رحلته (89) حيث قال عن أبي قبيس: (وفي أعلاه رباط مبارك فيه مسجد).

ومنهم ابن بطوطة في رحلته (105) حيث قال عن أبي قبيس: (وبأعلاه مسجد وأثر رباط وعمارة)، وهذا يوافق ما ذكره بعض من كتب في هذا الموضوع من الفضلاء؛ حيث عدّد جملة من البيوت التي كانت مسكونة على الصفا والمروة في ظنه؛ والواقع أنها ليست على الصفا والمروة، وإنما على ذينك الجبلين، والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير