وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ: فَيُثَابُ عَلَى تَرْكِ فُضُولِهَا، وَهُوَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ، كَمَا أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْمُبَاحَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} وَقَالَ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ النَّارِ: {إنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} {إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}. وَالْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحَاتِ هُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَهُوَ مِنْ الْعُدْوَانِ الْمُحَرَّمِ، وَتَرْكُ فُضُولِهَا هُوَ مِنْ الزُّهْدِ الْمُبَاحِ.
وَأَمَّا الِامْتِنَاعُ مِنْ فِعْلِ الْمُبَاحَاتِ مُطْلَقًا؛ كَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ وَأَكْلِ الْخُبْزِ أَوْ شُرْبِ الْمَاءِ أَوْ لُبْسِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَلَا يَلْبَسُ إلَّا الصُّوفَ، وَيَمْتَنِعُ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ، وَيَظُنُّ أَنَّ هَذَا مِنْ الزُّهْدِ الْمُسْتَحَبِّ فَهَذَا جَاهِلٌ ضَالٌّ مِنْ جِنْسِ زُهَّادِ النَّصَارَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِسَبَبِ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى تَرْكِ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ. كَاللَّحْمِ وَنَحْوِهِ وَتَرْكِ النِّكَاحِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلَا أُفْطِرُ وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَلَا أَنَامُ وَيَقُولُ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ. لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَآكُلُ اللَّحْمَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي}. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ {أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا قَائِمًا فِي الشَّمْسِ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو إسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مُرُوهُ أَنْ يَسْتَظِلَّ وَأَنْ يَتَكَلَّمَ وَأَنْ يَجْلِسَ وَيُتِمَّ صَوْمَهُ}.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. فَأَمَرَ بِالْأَكْلِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَالشُّكْرِ لَهُ، وَالطَّيِّبُ هُوَ مَا يَنْفَعُ الْإِنْسَانَ، وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ وَهُوَ مَا يَضُرُّهُ، وَأَمَرَ بِشُكْرِهِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِطَاعَتِهِ؛ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظورِ ... " انتهى من مجموع الفتاوى (22/ 133 - 134).
تنبيه:
وكل ما قلناه عن اللباس فإنه يشمل النعل كذلك، وقد اجتمعا في حديث ابن مسعود والذي فيه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمن أخبره أن الرجل " يحب أن يكون ثوله حسناً، ونعله حسنة).
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ).
رواه النسائي (2559) وابن ماجه (3605)، وحسَّنه الألباني في " صحيح النسائي ".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ.
رواه البخاري عنه في صحيحه، في كتاب اللباس (5/ 2180).
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islamqa.com/index.php?ref=97019&ln=ara (http://www.islamqa.com/index.php?ref=97019&ln=ara)
ـ[أبو عروة]ــــــــ[12 - 06 - 07, 04:00 م]ـ
جزاك الله خير ولاحرمك الأجر
ـ[أبو عبد الرحمن العتيبي]ــــــــ[12 - 06 - 07, 04:38 م]ـ
جزاك الله خيرا، و بارك فيك.
ـ[إحسان العتيبي]ــــــــ[12 - 06 - 07, 05:12 م]ـ
جزاكما الله خيراً
¥