ومن تلك الأمور التي رد بها هذا الحديث قوله ص (142): لم يرد أو يثبت قط أن السنة شرعت حكما رئيسا فالمعلوم بلا خلاف أن السنة إنما تبين القرآن وتخصص عمومه فصلاحيتها محدودة فما بالك والحديث هنا يتعدى هذه الصلاحية بل ويتعارض مع ما جاء نصا صريحا في القرآن الكريم؟! فهل يجوز لنا أن نتخلى عن حكم دليلبه قطعي الثبوت قطعي الدلالة لنأخذ بخبر آحاد – عرضة لكل عارض – ظني الثبوت أو الدلالة وهل يقول بذلك مسلم عاقل أو عالم فقيه لا والله.
قلت: قال الشوكاني: اعلم أنه قد اتفق من يعتد به من أهل العلم على أن السنة المطهرة مستقلة بتشريع الأحكام , وأنها كالقرآن في تحليل الحلال وتحريم الحرام , وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ألا وأني أوتيت القرآن ومثله معه] أي أوتيت القرآن وأوتيت مثله من السنة التي لم ينطق بها القرآن , وذلك كتحريم لحوم الحمر الأهلية , وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وغير ذلك مما لم يأت عليه الحصر ...
إرشاد الفحول (152)
قلت: من تلك الأمور الغريبة التي استند إليها قوله أن المقصود بقوله تعالى: {و اللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما}
أن المقصود بالفاحشة اللواط
قال ص (140): فالحبس كان للنساء الشاذات باللواط وليس للزانيات ولا للزناة ..
قلت: وهذا قول شاذ تقدم الحديث عنه.
رد العلماء دعوى أن النسخ من العبث -تعالى الله عن ذلك-
قال جواد عفانة في كتابه الإسلام وصياح الديك ص (72) في بيان إنكار وجود النسخ – نسخ التلاوة دون الحكم أو العكس -في القرآن.
" وحاشا لله أن يبقي في كتابه الكريم آية عبثا ..
قال الزرقاني:
يقولون إن نسخ التلاوة مع بقاءالحكم عبث لا يليق بالشارع الحكيم لأنه من التصرفات التي لا تعقل لهافائدةوندفع هذه الشبهة بجوابين:
أحدهما: أن نسخالآية مع بقاء الحكم، ليس مجردا من الحكمة،ولا خاليا من الفائدة حتى يكون عبثا بلفيه فائدة أي فائدة؛ وهي حصر القرآن في دائرة محدودة تيسر على الأمة حفظه واستظهارهوتسهل على سواد الأمة التحقق فيه وعرفانه وذلك سور محكم وسياج منيع يحمي القرآن منأيدي المتلاعبين فيه بالزيادة أو النقص لأن الكلام إذا شاع وذاع وملأ البقاع ثمحاول أحد تحريفه سرعان ما يعرف وشد ما يقابل بالإنكار وبذلك يبقى الأصل سليما منالتغيير والتبديل مصداقا لقوله سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لهلحافظون}.والخلاصة أن حكمة الله قضت أن تنزل بعض الآيات فيأحكام شرعية عملية حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نسخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتهافقط رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال وطردا لعادته في عرض فروع الأحكام منالإقلال تيسيرا لحفظه وضمانا لصونه والله يعلم وأنتم لا تعلمون.ثانيهما: أنه على فرض عدم علمنا بحكمة ولا فائدة في هذا النوعمن النسخ، فإن عدم العلم بالشيء لا يصلح حجة على العلم بعدم ذلك الشيء وإلا؛ فمتىكان الجهل طريقا من طرق العلم؟! ثم إن الشأن في كل ما يصدر عن العليم الحكيمالرحمن الرحيم؛ أن يصدر لحكمة أو لفائدة نؤمن بها , وإن كنا لا نعلمها على التعيينوكم في الإسلام من أمور تعبدية استأثر الله بعلم حكمتها أو أطلع عليها بعض خاصته منالمقربين منه والمحبوبين لديه {وفوق كل ذي علم عليم} {وما أوتيتم من العلم إلاقليلا} ".
ولا بدع في هذا فرب البيت قد يأمر أطفاله بما لا يدركون فائدته لنقصعقولهم، على حين أنه في الواقع مفيد وهم يأتمرون بأمره , وإن كانوا لا يدركون فائدته، والرئيس قد أمر مرؤوسيه بما يعجزون عن إدراك سره وحكمته على حين أن له في الواقعسرا وحكمة وهم ينفذون أمره وإن كانوا لا يفهمون سره وحكمته.
كذلك شأن الله معخلقه فيما خفي عليهم من أسرار تشريعه وفيما لم يدركوا من فائدة نسخ التلاوة دونالحكم ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم.
مناهل العرفان (2
157)
وفي الختام: هذا مجمل ما عند جواد عفانة هدانا الله وإياه إلى الحق [2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftn2) ومقام الرد عليه طويل لمن أراد التتبع لشذوذه وغرائبه , وكتبه جلها تدور على ما أوردناه في هذه الصفحات من رد للأحاديث الصحيحة والولع بالآراء الضعيفة والشاذة , والله تعالى نسأله الثبات والهداية على الصراط المستقيم.
(1) "مجموع الفتاوى" (5/ 29).
[2] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=26#_ftnref2)- قال عبد الرحمن بن مهدي: كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن وهو على القضاء فلما وضع السرير جلس وجلس الناس حوله قال فسألته عن مسألة فغلط فيها فقلت: أصلحك الله القول في هذه المسألة كذا وكذا إلا أني لم أرد هذه إنما أردت أن أرفعك إلى ما هو أكبر منها فاطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال: إذا أرجع وأنا صاغر لأن أكون ذنبا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسا في الباطل. تاريخ بغداد (10
308)
¥