ويتعجب المرء كذلك من إصرار كثير من طلبة العلم والدعاة على التركيز على جانب الخوف دون جانب الرجاء بل لا تجد من يتكلم عن الرجاء غلا ويردفه بجانب الخوف وكانه مرتبط به لا ينفك عنه فتجد المتكلم يقول الدين يسر وفيه سهولة وترخص لكن؟؟؟؟
ألا يمكن أن نتكلم عن يسر الشريعة و سماحتها على نحو ما ورد في نصوص الكتاب والسنة فهذا حديث: " إن الدين يسر " لنتدبره:
1 - إن الدين يسر.
2 - لن يشاد الدين أحد إلا غلبه.
3 - سددوا وقاربوا.
4 - ابشروا.
5 - واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.
خمس جمل كلها تقرر مبدأ اليسر في الشريعة وتتنوع في إثبات هذا الأصل:
أولاً قاعدة عامة في أحكام الشريعة أنها يسر.
ثم ثانياً: التحذير والوعيد لمن يشاد الدين ويطلب العسر فيه أنه ينقلب عليه.
ثم ثالثاً: يأمرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في القيام بأحكام الشريعة ويجعلها في حالتين:
إما السداد وهو افصابة للحكم والعمل إصابة دقيقة وهو في هذه الحالة يسر؛ لأنه ذكر أولا أن الدين كله يسر فإن أصبته فقد أصبت اليسر.
وغما المقاربة وهذا من التيسير فقد لا تتقن العمل كله أو لا تصيب الراتجح منه تماً فيكتفى منك في الشرع بالمقاربة رفعاً للحرج.
ثم رابعاً: يبشرنا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالخير في التمسك بهذه الشريعة بما يرجع نفعه للمكلف في الدنيا والآخرة ليكون عوناً له على طاعة الله.
ثم خامساً: يبين لنا أن أوقات المرء كلها تصلح للعبادة فيتزود المرء من أي عمل في أي وقت فليس كل العبادات في وقت معين محدد من لم يدركه لا يدرك أي عبادة بل منها ما له وقت ومنها ما هو مشاع الوقت فحينما يتسير للمرء العبادة المشاعة يعملها.
ثم بعد هذا كله لا نجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حذر في نهاية الحديث وشدد وأورد جانب الخوف والغضب؛ لأن لكل مقام مقال.
بينما نسمع أحيانا من يلقي درساً او كلمة يقول: والله عزو وجل غفور رحيم لكنه شديد العقاب وكأن صفة الرحمة والمغفرة لله عز وجل لا تثبت استقلالا بل هي من الصفات المركبة كالنافع الضار والمانع المعطي ونحوها وهذا مع ما فيه من الجهل هو تعدٍ على الله عز وجل وصفاته فالله عز وجل له أكمل الصفات وأجلها وأعظمها وتقييد صفة الرحمة والمغفرة ونحوها من الصفات العظيمة لله عز وجل بما يقابلها من صفات الغضب والانتقام والسخط انتقاص لصفات الكمال فهو يغفر بلا غضب ويرحم بلا سخط تفضلا منه وكرماً.
نعم الله عز وجل شديد العقاب ولا راد لغضبه فنعوذ برضاه من سخطه وبعفوه من عقوبته.
ولنتدبر كيف تغلب صفات الرحمة والعفو والمغفرة صفات الغضب والسخط ولذلك نجد:
1 - الاستعاذة بصفة الرحمة والعفو والمغفرة من صفات الغضب والسخط عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " رواه مسلم
2 - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بين ان رحمة الله عز وجل تغلب غضبه وتسبقه فعن أبى هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عن النبى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " إن الله كتب فى كتاب فهو موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي " و في رواية " سبقت رحمتى غضبي " رواه مسلم
3 - أن الله تبارك وتعالى ارسل الرسل وأنزل الكتب ويسر جميع السبل للوصول إلى الهدى والدخول في رحمته.
4 - أن الله تبارك وتعالى جعل أسباباً كثيرة للوصول إلى رحمته ومغفرته فالمرء حين يذنب ذنباً من ترك واجب أو فعل محرم فيكفره التوبة والاستغفار والوضوء والصلوات الخمس والجمعة وصلاة الجنازة والصوم والصدقة والحج والدعاء والذكر (قول سبحان الله مائة مرة، وقول سبحان الله وبحمده مائة مرة، وقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له مائة مرة .. ) ودعاء الغير له والمصائب التي تصيب المرء مع أنها بقدر الله وسكرات الموت وضغطة القبر إلى غير ذلك من الأعمال ثم فوق هذا مغفرته سبحانه ورحمته تفضلاً منه.
أما الغضب فسببه المعصية فقط من ترك واجب أو فعل محرم.
¥