التَّحَلُّلِ، وَسُقُوطُ الْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ الدَّاعِي بِالْخِيَرَةِ يَشْتَرِطُ عَلَى رَبِّهِ فِي دُعَائِهِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي عَاجِلُهُ وَآجِلُهُ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، فَيُعَلِّقُ طَلَبَ الْإِجَابَةِ بِالشَّرْطِ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ لِخَفَاءِ الْمَصْلَحَةِ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّهِ أَيُّمَا رَجُلٍ سَبَّهُ أَوْ لَعَنَهُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا كَفَّارَةً لَهُ وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْهِ، وَهَذَا تَعْلِيقٌ لَلْمُدَّعُو بِهِ بِشَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَكَذَلِكَ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ شُرِعَ لَهُ تَعْلِيقُ الدُّعَاءِ بِالشَّرْطِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَتَقَبَّلْ حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْ سَيِّئَاتِهِ؛ فَهَذَا طَلَبٌ لِلتَّجَاوُزِ عَنْهُ بِشَرْطٍ، فَكَيْفَ يُمْنَعُ تَعْلِيقُ التَّوْبَةِ بِالشَّرْطِ؟ وَقَالَ شَيْخُنَا: كَانَ يُشْكِلُ عَلَيَّ أَحْيَانًا حَالُ مَنْ أُصَلِّي عَلَيْهِ الْجَنَائِزَ، هَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ أَوْ مُنَافِقٌ؟ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَسَأَلْته عَنْ مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ الشَّرْطَ الشَّرْطَ، أَوْ قَالَ: عَلِّقْ الدُّعَاءَ بِالشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ أَرْشَدَ أُمَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى تَعْلِيقِ الدُّعَاءِ بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ بِالشَّرْطِ فَقَالَ: {لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إذَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي}.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: {وَإِذَا أَرَدْت بِعِبَادِك فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إلَيْك غَيْرَ مَفْتُونٍ} وَقَالَ: {الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا}.
2 - وجه استدلاله بالاية الكريمة أن في الاية دعاء معلقا بالشرط، ففي اللعان يدعو الرجل على نفسه في المرة الخامسة باللعنة إن كان من الكاذبين فهو هنا علق الدعاء على نفسه بشرط كونه من الكاذبين،وأيضا المرأة تدعو على نفسها بغضب الله إن كان زوجها صادقا وهي كاذبة، فهي هنا أيضا علقت الدعاء على شرط.
3 - وجه استدلاله برؤيا شيخ الإسلام من باب الاستئناس فالرؤيا ليست دليلا شرعيا ولكن يستأنس بها فقط فشيخ الإسلام كان يتحير في الدعاء لمن يشك في كفرهم فاستأنس بالرؤيا بأنه يشترط في دعائه فيقول مثلا اللهم أنت أعلم بسرهم فإن كانوا مسلمين فارحمهم، وكما نرى فهناك أدلة كثيرة - سردها ابن القيم - على تعليق الدعاء بالشرط، وأتت الرؤيا كاستئناس وليست هي عمدتهم في الباب.
4 - أما الصلاة على تارك الصلاة فهي على حسب ما يراه في حكم تارك الصلاة فمنهم من يرى أنه كافر كفرا أصغر لا يخرجه عن الملة فسيعامله معاملة المسلمين ويدعو له، ومنهم من يرى أنه يكفر بترك فريضة أو فريضتين أو ثلاث فلن يصلي عليه، ومنهم من يرى أنه لا يكفر إلا إن دعاه الإمام (الحاكم) وأصر على تركه للصلاة وقبل دعوة الإمام لا يكفر وهكذا يختلف الأمر بما يراه الإنسان.
5 - أما المنتحر فإنه يصلى عليه على الصحيح من أقوال أهل العلم ويعامل معاملة المسلمين، ويجوز لأهل الفضل أن لا يصلوا عليه لا لأنهم يكفرونه لكن لعصيانه ولردع غيره أن يفعل مثل تلك الفعلة الشنيعة
* قال الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: " حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ سَلَّامٍ الْكُوفِيُّ أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ
أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ"
¥