تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اعترف بأنه ليس له عنه جواب كأبي الحسن الآمدي وغيره.

والمقصود هنا أَن هذه الآية تبين بطلان هذا القول، كما تبين بطلان غيره، فان قوله: (نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ) يقتضي نزول القرآن من ربه والقرآن اسم للقرآن العربي لفظه ومعناه، بدليل قوله: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) وانما يقرأُ القرآن العربي لا يقرأُ معانيه المجردة. وأَيضًا فضمير المفعول في قوله (نَزَّلَه) عائد إلى (مَا) في قوله (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) فالذي انزله الله هو الذي نزل به روح القدس. فإذا كان روح القدس نزل بالقرآن العربي لزم أَن يكون نزله من الله فلا يكون شيء منه نزله من غيره من الأَعيان المخلوقة ولا نزله من نفسه. وأيضًا فانه قال عقب هذه الآية: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ) الآية وهم كانوا يقولون انما يعلمه هذا القرآن العربي بشر، لم يكونوا يقولون انما يعلمه بشر معانيه فقط بدليل قوله: (لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) فانه تعالى أَبطل قول الكفار بان لسان الذي الحدوا إليه - فجعلوه هو الذي يعلم محمدا القرآن - لسان أَعجمي والقرآن لسان عربي مبين فلو كان الكفار قالوا يعلمه معانيه فقط لم يكن هذا ردا لقولهم فان الانسان قد يتعلم من الأعجمي شيئا بلغة ذلك الأعجمي ويعبر عنه بعباراته. وقد اشتهر في التفسير أَن بعض الكفار كانوا يقولون هو تعلمه من شخص كان بمكة أَعجمي قيل انه كان مولى لابن الحضرمي. وإذا كان الكفار جعلوا الذي يعلمه ما نزل به روح القدس بشرا والله أَبطل ذلك بان لسان ذاك أَعجمي وهذا لسان عربي مبين علم أَن روح القدس نزل باللسان العربي المبين وان محمد لم يؤلف نظم القرآن بل سمعه منه ولم يؤلفه هو، وهذا بيان من الله أَن القرآن العربي هو اللسان العربي المبين سمعه روح القدس من الله.

وكذلك قوله: (هُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) الآية (251) والكتاب اسم للكلام العربي بالضرورة والاتفاق فان الكلابية أَو بعضهم يفرق بين كلام الله وكتاب الله، فيقول كلام الله هو المعنى القائم بالذات وهو غير مخلوق، وكتابه هو المنظوم المؤلف العربي وهو المخلوق. والقرآن يراد به تارة هذا وتارة هذا، والله تعالى قد سمى نفس مجموع اللفظ والمعنى قرآنا وكتابًا وكلامًا فقال تعالى: (تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ) (252)

وقال (طسم - تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (253) وقال (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ) الآية (254) فبين أَن الذين سمعوه هو القرآن وهو الكتاب، وقال: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ) الآية (255) وقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الآية (256) وقال: (يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً) (257) وقال: (وَالطُّورِ - وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ) الآية (258) وقال: (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا) الآية (259) لكن لفظ الكتاب قد يراد به المكتوب فيكون هو الكلام، وقد يراد به ما يكتب فيه، كقوله (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) الآية (260).

والمقصود هنا أَن قوله: وقال: (هُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) يتناول نزول القرآن العربي على كل قول، وقد أَخبر أَن الذين آتاهم الكتاب يعلمون أَنه منزل من ربك بالحق اخبار مستشهد بهم لا مكذب لهم، وقال انهم يعلمون ذلك، لم يقل انهم يظنونه أَو يقولونه. والعلم لا يكون إلا حقًا مطابقًا للمعلوم بخلاف القول والظن الذي ينقسم إلى حق وباطل، فعلم أَن القرآن العربي منزل من الله لا من الهواء ولا من اللوح ولا من جسم آخر ولا من جبريل ولا محمد ولا غيرهما. وإذا كان أَهل الكتاب يعلمون ذلك فمن لم يقر بذلك من هذه الأمة كان أَهل الكتاب المقرون بذلك خيرا منه من هذا الوجه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير