تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا لا ينافي ما جاءَ عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله تعالى: (. إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أنه أَنزله إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم أَنزله بعد ذلك منجمًا مفرقًا بحسب الحوادث. ولا ينافي أَنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ) الآية وقال: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) الآية وقال (إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) الآية (261) وقال (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ) الآية (262). وكونه مكتوبًا في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أَن يكون جبريل نزل به من الله، سواء كتبه الله قبل أَن يرسل به جبريل وغير ذلك، وإذا كان قد أَنزله مكتوبًا إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أَن ينزله، والله تعالى يعلم ما كان وما لا يكون أَن لو كان كيف كان يكون، وهو سبحانه قدر مقادير الخلائق وكتب أَعمال العباد قبل أَن يعملوها كما ثبت ذلك بالكتاب والسنة وآثار السلف، ثم إنه يامر الملائكة بكتابتها بعدما يعملونها، فيقابل بين الكتابة المتقدمة على الوجود والكتابة المتأخرة عنها فلا يكون بينهما تفاوت، هكذا قال ابن عباس وغيره من السلف، وهو حق. فإذا كان ما يخلقه بائنًا عنه قد كتبه قبل أَن يخلقه فكيف يستبعد أَن يكتب كلامه الذي يرسل به ملائكته قبل أَن يرسلهم به.

ومن قال: ان جبريل أَخذ القرآن عن الكتاب لم يسمعه من الله. كان هذا باطلا من وجوه:

منها أَن يقال: إن الله تعالى كتب التوراة لموسى بيده فبنو إسرائيل أَخذوا كلام الله من الكتاب الذي كتبه هو سبحانه فيه.

فإن كان محمد أَخذه من جبريل وجبريل عن الكتاب كان ينمو إسرائيل أَعلا من محمد بدرجة ومن قال إنه القى إلى جبريل معاني وأَن جبريل عبر عنها بالكلام العربي فقوله يستلزم أَن يكون جبريل أُلهمه إلهامًا، وهذا الإلهام يكون لآحاد المؤمنين كما قال تعالى:

(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي) (263) وقال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ) (264) وقد أوحى إلى سائر النبيين فيكون هذا الوحي الذي يكون لآحاد الأَنبياء والمؤمنين أَعلا من أَخذ محمد القرآن عن جبريل، لأَن جبريل الذي علمه لمحمد هو بمنزلة الواحد من هؤلاء، ولهذا زعم ابن عربي أَن خاتم الأَولياء أَفضل من خاتم الأَنبياء قال: لأَنه يأْخذ من المعدن الذي يأْخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الرسول. فجعل أَخذه وأَخذ الملك الذي جاء إلى الرسول من معدن واحد وادعى أَن أَخذه عن الله أَعلا من أَخذ الرسول للقرآن، ومعلوم أَن هذا من أَعظم الكفر وإن هذا القول من جنسه.

وأَيضًا فالله تعالى يقول: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ) الآية (265) فضل موسى بالتكليم على غيره ممن أَوحى إليهم. وهذا يدل على أُمور: على أَن الله يكلم عبده تكليمًا زائدًا على الوحي الذي هو قسيم التكليم الخاص، فإِن لفظ التكليم والوحي كل منهما ينقسم إلى عام وخاص، والتكليم العام هو المقسوم في قوله (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا) الآية (266) والتكليم المطلق هو قسيم الوحي الخاص ليس قسمًا منه، وكذلك لفظ الوحي قد يكون عامًا فيدخل فيه التكليم الخاص كما في قوله لموسى: (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) (267) وقد يكون قسيم التكليم الخاص كما في سورة الشورى، وهذا يبطل قول من يقول الكلام معنى واحد قائم بالذات فانه حينئذ لا فرق بين التكليم الذي خص به موسى والوحي العام الذي هو لآحاد العباد. ومثل هذا قوله في الآية الأخرى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء) (268) فدل على أَن التكليم من وراء حجاب كما كلم موسى أَمر غير الايحاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير