تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أهل العلم في الدنيا والآخرة، العلماء عددهم يسير قليل بالنسبة للناس، ما الذي أعاق أولئك عن تحصيل العلم ليحصلوا هذا المنازل، وهذه الدرجات العالية في الدنيا والآخرة؟ الذي أعاقهم الشدائد والعقبات التي تعوق دون التحقيق، فلابد من توطين النفس على الشدائد. أيضاً مما يعين على تقوية الهمة في نفس طالب العلم النظر في سير العلماء والعظماء والصالحين، وسيدهم ومقدمهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا بد من إدامة النظر في سيرته -عليه الصلاة والسلام-، أفضل الخلق، أكرم الخلق، أشرف الخلق، أعلم الخلق بالله، أشجع الناس أخشاهم وأتقاهم لله، ومع ذلك يربط الحجر على بطنه، وينام على حصير يؤثر في جسده، ووسادة من أدم حشوه ليف، هذا الذي يعرف قدر الدنيا، وهو أعلم الناس وأخشاهم وأتقاهم وأكرمهم على الله -جلا وعلا-، إذا قرأت في سيرته عرفت الغاية التي تريدها والسبيل الذي تسلكه مقتدياً بالأسوة وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني لما يقال: فلان يصلي كذا، أو يصوم كذا، قد يقول قائل: والله هذا شق على نفسه، والدين يسر، وعليكم من الدين ما تطيقون؛ لكن إذا قيل له: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قام حتى تفطرت قدماه، هذا مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -عليه الصلاة والسلام-، ومع هذا قام هذا القيام، وجاهد في الله حق جهاده، وأدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وحصل له من الشدائد ما حصل، ومع ذلك حينما قيل له: تفعل هذا وأنت غفر لك، ترجو المغفرة؟! ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) الله -جل وعلا- ينعم عليك بجلائل النعم، ودقائق النعم، النعم التي لا تعد ولا تحصى، ومع ذلك تبخل على نفسك بالذكر الذي لا يكلفك شيئاً، ولو أعملت لسانك ليل نهار بذكر الله، ولهجت بشكره، ما استطعت أن تفي شكر نعمة من نعم الله -جل وعلا-، فكيف بجميع نعمه؟ {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] فمثل هذا يحتاج إلى شكر، والشكر يحتاج إلى بذل من النفس.

الصحابة -رضوان الله عليهم- ضربوا أروع الأمثلة في علو الهمة والعطاء والبذل لهذا الدين، ثم سار على طريقتهم والكل يهتدون ويقتدون بالأسوة والقدوة -عليه الصلاة والسلام-، جاء بعدهم التابعون والأئمة وحصل منهم ما حصل, تقرؤون في سيرهم الأعاجيب، تقرؤون الأعاجيب في بذلهم وتضحياتهم في سبيل دينهم، في نشر العلم، وفي التعليم والعمل.

والإنسان يقرأ في هذه الكتب في سير الأئمة يظنه ضرب من الخيال، إنما يساق للتشجيع فقط، وإلا ما له حقيقة، أدركنا من شيوخنا من لا يرتاح في يومه ولا ليله ولا أربع ساعات، ولا ثلاث ساعات، والبقية كلها بذل وعلم وتعليم، وكل باب من أبواب الخير له فيه سهم، وما زالت الأمة فيها خير، والخير في أمة محمد إلى قيام الساعة -عليه الصلاة والسلام- موجود، يقول الإمام الشافعي:

إذا هجع النوام أسبلت عبرة ... وأنشدت بيتاً وهو من ألطف الشعرِ

أليس من الخسران أن ليالياً ... تمر بلا علم وتحسب من عمري

أليس من الخسران أن ليالياً تمر بلا علم وتحسب من عمري، يعني هؤلاء الأئمة الذين حفظوا ما حفظوا وبقي ذكرهم إلى يومنا هذا, هذا عبث؟ يعني جاء مجرد صدفة واتفاق؟ يعني مجرد اختاروا الإمام الشافعي قدوة يقتدون به ويعملون بعلمه؟ هذا عبث أو لأنه قدم ما يستحق به أن يذكر إلى قيام الساعة، ويُدعو له ويترحم عليه؟ وقل مثل هذا في الإمام أحمد، يعني جاء من فراغ، حفظ سبعمائة ألف حديث؟ ما جاء من فراغ، كونه يذكر ويلهج بالثناء عليه، والاقتداء بعلمه، والأخذ بهديه المأخوذ من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ هذا ليس من العبث، لصدق مع الله -جل وعلا-، وبذل وإعطاء من النفس، يعني بعض الناس أعماله تكتب له إلى قيام الساعة، لماذا؟ لأنه سن سنن، وألف كتب، وبقي نفعها إلى قيام الساعة، وترك الطلاب والطلاب لهم أجرهم وأجر تلاميذهم، وهم وطلابهم أجرهم لشيخهم، وفضل الله لا يحد، قد يقول قائل: كيف هذه الأجور تحصل لمثل هؤلاء الأئمة؟ فضل الله واسع، وجاء في الحديث -وفيه كلام لأهل العلم-: ((إن الله ليضاعف لبعض عبادة الحسنة إلى ألفي ألف حسنة)) فإذا كان هذا الإمام قدوة ألف الكتب وبقيت إلى قيام الساعة، وفي كل مجلس، وفي كل درس، وفي كل بلد من تأليف الكتاب إلى ما الله به عليم يقال: قال رحمه الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير