تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مهمات شرح كتاب الجنائز من بلوغ المرام للشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير ...]

ـ[أبوهاجر النجدي]ــــــــ[14 - 11 - 07, 04:19 م]ـ

"المجلس الأول"

الجنائز جمع جَنازة وجِنازة, بفتح الجيم وكسرها, واللفظان للميت, أو للسرير وعليه الميت, ومنهم من يجعل الأعلى للأعلى والأسفل للأسفل, جَنازة للميت وجِنازة للسرير, ويطردون هذا في بعض الألفاظ, فيقولون مثلاً دَجاجة بالفتح للذكر ودِجاجة بالكسر للأنثى, ويقولون الماتح بالتاء المثناة من فوق للذي يكون في أعلى البئر والمايح بالياء للذي يكون في أسفل البئر عند استقاء الماء من البئر. ولا يوجد في كتب المتقدمين تعريف مثل هذه الألفاظ المعروفة, وإنما احتاج إليها المتأخرون لاحتمال أن يوجد من لا يعرف المراد بهذه الألفاظ, لكثرة الاختلاط بين من يعرف هذه الاصطلاحات مع غيرهم. والترتيب العلمي في اصطلاح العلماء أن يُعرَّف الشيء ثم بعد ذلك تُذكَر الأحكام المتعلقة به, فهم يرون أن الأحكام المترتبة على اللفظ لا تكون إلا بعد تصوره.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم {أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اَللَّذَّاتِ: اَلْمَوْتِ} رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ, وَالنَّسَائِيُّ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وصححه الحاكم وابن السكن وجمع من أهل العلم, وله طرق وشواهد تجعل لتصحيحهم وجهاً. وجاء في بعض الألفاظ (هادم) بالدال المهملة, وجاء في بعضها (هازم) , والفرق بين هذه الألفاظ أن الهاذم هو القاطع, والهادم هو المزيل كالذي يهدم البناء, والهازم هو الغالب, وإذا نظرنا إلى الموت وجدنا فيه هذه المعاني كلها. فهو يقطع اللذات المحسوسة من متع هذه الحياة الدنيا ويحول بين المرء وبينها, وهذا بالنسبة لمستوى الناس كلهم الذي يشتركون فيه في متع هذه الحياة الدنيا, لكن من الناس من ينتقل إلى ما هو أشد متعةً ولذةً مما في الحياة الدنيا, ومنهم من ينتقل حالٍ سيئة نسأل الله السلامة والعافية. وهو أيضاً هادم ومزيل للنعم, مزيلٌ لها بحقيقته أو بذكره عند من أحيا الله قلبه. وهو أيضاً غالبٌ لهذه اللذات. ولذا ينكر كثيرٌ من الناس على من يذكر الموت في أوقات الانبساط وفي الأعياد والأعراس, لكن أولى ما يُذكَر فيه الموت هذه المواطن, مع أنه ينبغي أن يكون على لسان المسلم امتثالاً لهذا الحديث, وللمصلحة المترتبة على ذكره لأنه لا يُذكَر في كثيرٍ إلا قلله ولا في قليلٍ إلا كثَّره, ولئلا يسترسل في اتباع شهواته وملذاته وينسى ما أمامه من أهوال, فإذا استحضر ذكر الموت ارتاح ضميره وعمل لما بعد الموت. وجاء في بعض ألفاظ هذا الحديث بعد الأمر بذكر الموت أن من أكثر ذكره أحيا الله قلبه, ومعناه صحيح, لأنك إذا تصورت ما أمامك عملت, وإذا نسيت ما أمامك أهملت وغفلت.

وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم {لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ اَلْمَوْتَ لِضُرٍّ يَنْزِلُ بِهِ, فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اَللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ اَلْحَيَاةُ خَيْرًا لِي, وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ اَلْوَفَاةُ خَيْرًا لِي} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

على المسلم أن يكثر من ذكر الموت ليحدوه ذلك إلى العمل, لكن لا يتعجل الموت لما يقاسيه من آلام ومشاق, فكل ما طال عمر المسلم وحَسُن عمله كان خيراً له, والذي يتصور الهدف الحقيقي من وجوده في هذه الحياة ويتمنى أن تكون عاقبته حسنة لا يتمنى انقطاع وقت الزرع, ليزداد من حياته لموته, لأن الموت يقطع الزاد الموصل إلى مرضاة الله وإلى جناته إلا ما استثني. وقوله (لضر نزل به) أي لا يتمنى الموت لهذا السبب, وهو حصول الضر في أمور الدنيا في بدنه أو في ولده أو في ماله, وأما تمني الموت بسبب أمر من أمور الآخرة - بأن رأى أسباب الفتن قد انعقدت وغلب على ظنه أنه لا يثبت أمام هذه الفتن - فإنه لا بأس حينئذ في تمني الموت خشية أن يفتن في دينه. فالمؤمن يتمنى طول الحياة لا لذات الحياة وإنما ليغرس فيها ويعمل لآخرته, لكن إذا كان يغلب على ظنه أن يتضرر من هذه الحياة فلا مانع من أن يتمنى الموت. ومريم بنت عمران عليها السلام تمنت الموت, لأنها خشيت أن تفتن في دينها بتسلط الناس عليها حين يرون أنها أتت بولد من غير زوج. فإذا وجد مبرر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير