تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[معالم فلسفة أخلاقية إسلامية معاصرة]

ـ[محمد الحسن]ــــــــ[27 - 10 - 07, 09:11 م]ـ

[معالم فلسفة أخلاقية إسلامية معاصرة]

لا يخفى على أحد اليوم بأن الإسلام يشكل أحد أهم انشغالا الفكر العالمي المعاصر , و كان قد تنبه لهذا الحضور الكثيف و الانشغال الفيلسوف الفرنسي الكبير ميشال فوكو عام 1979 بأحد استبصاراته الثاقبة حين كتب يقول ((إن سؤال الإسلام سيكون المسألة الأساسية لحقبتنا في الأعوام القادمة. ويتمثل الشرط الأول في معالجته بالحد الأدنى من التعقل , أن لا نبدأ بإقحام الكراهية فيه)). إلا أنه من المؤسف لم يتحقق شرط التعقل وعدم إقحام الكراهية في جملة الخطابات الغربية التي تولت الاشتغال بالإسلام , و تمثل كتابات برنارد لويس و بنجامين باربر و صامويل هنتنغتون و دانيال بايبس أمثلة نموذجية للكراهية و العدائية و الاقصائية التمييزية ساهمت في تشييد صرح وهم الخطر الإسلامي و خطاب الكراهية العدائية للإسلام.

شكلت هذه المحاصرة و التضييق الخارجي لدعوة عودة الإسلام , تحديا كبيرا لا يقل في تأثيره عن المحاصرة الداخلية التي تولت كبرها فئات من دعاة الاستئصال الفكري و الاجتثاث الحضاري بحجج التنمية و التقدم و التحديث , و لعل أكثر و أخطر صنوف المحاصرة كانت ذاتية , من قبل حرس التقليد و الجمود و التعصب و العنف التي وقفت حجر عثرة في طريق التجديد و الإبداع , و تعتبر مساهمة الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن أهم المساهمات التجديدية للفكر الديني الإسلامي المعاصر , وقد تولى طرحها في جملة من كتبه أهمها ((العمل الديني و تجديد العقل)) و ((تجديد المنهج في تقويم التراث)) و ((سؤال الأخلاق , مساهمة نقدية للحداثة الغربية)) و ((الحق العربي في الاختلاف الفلسفي)) و ((الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري)) , و يتمثل الغرض الأساسي لهذا المشروع الكبير و الطموح بإعادة الاعتبار للمسألة الأخلاقية التي تشكل جوهر الديانة الإسلامية التي غفلت عنها جملة المشاريع الإصلاحية الإسلامية منذ وقت طويل , و ذلك من خلال الإسهام في إنشاء فلسفة أخلاقية إسلامية معاصرة , وقد اجتهد أستاذنا طه عبد الرحمن في وضع لبنات هذا المشروع و عمل على بناء قواعده , حيث بين أن موضوع الفلسفة الأخلاقية عموما هو النظر في أفعال الإنسان من حيث اتصافها بالقيمتين: ((الخير)) و ((الشر))؛ و يلزم من هذه الفلسفة حتى إذا تعرضت لأفعال اقتصادية أو سياسية أو معرفية , أنها لا تنظر فيها من جهة هذا الضرب من التقويم الأخلاقي ولو أن لكل نوع من هذه الأفعال قيمتين مختلفتين تخصانه؛ فالفعل الاقتصادي يختص بقيمتين الرواج و الكساد , و الفعل السياسي يختص بقيمتي المصلحة و المضرة و الفعل المعرفي يختص بقيمتي الفائدة و اللغو؛ و السبب في ذلك يرجع في كون هذه القيم الأخرى هي نفسها لا تنفك عن الحاجة إلى التقويم الأخلاقي؛ فبالنسبة إلى الفعل الاقتصادي: الرواج خير و الكساد شر , و بالنسبة إلى الفعل السياسي المصلحة خير و المضرة شر , و بالنسبة إلى المعرفة الفائدة خير و اللغو شر.

ويختلف تصور الأستاذ عبد الرحمن للأخلاق عن تصور الجمهور لها من جانبين على الأقل: أولهما , أن الأخلاق ليست جملة من الصفات الحسنة التي تكمل سلوك الأشخاص , و إنما هي مجموعة من الصفات الضرورية لهذا السلوك , بحيث إذا فقدها الفرد , نزل عن رتبته كانسان و أصبح معدودا في الأنعام؛ و لا هي جملة من محاسن العادات التي يتصف بها تعامل المجتمعات فيما بينها , و إنما هي مجموعة من العادات الضرورية لهذا التعامل , بحيث إذا فقدها المجتمع اختل نظام الحياة فيه و أصبح معدودا في القطعان , و من هنا تكون ضرورة الأخلاق فوق ضرورة الحاجات المادية للإنسان , لان فوت الحياة مع وجود الأخلاق خير من حفظها مع عدم الأخلاق؛ و الجانب الثاني أن الأخلاق لا تنحصر في مجموعة جزئية من أفعال الإنسان , بل تشمل كل هذه الأفعال بإطلاق؛ فما من فعل يأتيه الإنسان إلا و يصح الحكم عليه بالخير أو الشر , يستوي في ذلك ((الفعل الحسي الخالص)) كالآكل و ((الفعل العقلي الخالص)) كالفهم؛ و حتى إذا ترددنا في أمر هذا الفعل أو ذاك , فان هذا التردد لا يرجع إلى كونه لا يحتمل هذا الحكم , و إنما لأننا لم نهتد بعد إلى أي الحكمين الأخلاقيين ينطبق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير