وكان أحد المنتفعين بعلمه، وخلقه، وصحبته، مقيد هذه السطور، فقد أنعم الله علي بصحبته والتلقي عنه نحو عشرين سنة، فترك في النفس أثراً عميقاً، وفي الوعي حساً دقيقاً، وغار في أغوار اللاوعي، حتى بات خياله، وحاله، يطيف بي في الرؤى، والمنامات، ما بين آونة وأخرى، في الحل والسفر، دون انقطاع. جمعنا الله به في دار كرامته، ومستقر رحمته.
وكنت قد قيدت، خلال سني صحبته، بعض المسائل والفتاوى، التي تعرض لي، وللناس، وضبطتها بتواريخها، وأمكنتها، رجاء أن أنتفع بها لخاصة نفسي، ومن سألني من زملائي في الطلب، وأرجع إليها عند الحاجة، وقد كان. ولم يدر بخَلَدي إبان ذلك أن تكون للنشر العام، إلا إني رأيت أن العلم لا يكتم، ولا يصلح أن يبقى سراً، سيما وأني كنت بالغت في تحريرها، وتقييدها في أوانها، وبعضها قد لا يكون موجوداً نظيره في بقية مأثورات الشيخ، فاستخرت الله في نشرها، وبذلها للخاص والعام، سائلاً الله، عز وجل، أن يغفر لشيخنا، ويكتب ذلك في ميزان حسناته، وأن يجعل لي كفلاً وافراً من أجرها، ومن أعانني من إخواني على ترتيبها، وإخراجها. وقد بلغت ستمائة مسألة، وسميت هذه الضميمة:
ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين ( http://www.al-aqidah.com/?aid=show&uid=f20dmlbz)
فدونك أيها المتصفح، لموقع (العقيدة والحياة)، مسائل محررة، على طريقة السابقين، من سلف هذه الأمة؛ من علماء، وتلاميذ، على طريقة: (سألت شيخنا .. . فأجاب)، والله الموفق إلى الصواب.
كتبه: د. أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان القاضي
عنيزة. في: 15/ 10/1428
ـــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى. فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه! وكم من ضال تائه قد هدوه! فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم! ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وقد كان شيخنا (محمد بن صالح العثيمين) رحمه الله، من أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، والأبدال المجددين الذين علا نجمهم، واشتهر فضلهم وذكرهم على رأس القرن الخامس عشر الهجري. وظل مناراً شامخاً للعلم، والدعوة، والفتيا، والتصنيف والنفع العام والخاص، وظل كذلك مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر، حتى وافاه الأجل المحتوم في منتصف شهر شوال من عام واحد وعشرين و أربعمائة وألف، رحمه الله رحمة واسعة. وقد ترك من بعده تراثاً علمياً واسعاً من المصنفات، والمسموعات، لا يزال صداها يتردد في جوانب المعمورة.
وكان من فضل الله عليَّ أن اتصلت أسبابي بأسبابه، بحكم المنشأ، في مدينتنا (عنيزة)، ثم شرعت في ملازمة دروسه عام ألف وأربعمائة. ولم أزل على صلة بها إلى وفاته، رحمه الله. إضافةً إلى تدريسه لدفعتنا في كلية الشريعة وأصول الدين، مادة الفقه، أربع سنين متصلة.
وإلى جانب الدروس العامة، كانت تجمعني بفضيلته لقاءات متعددة؛ راتبة، وطارئة، من أهمها:
1.اجتماع مجلس إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم الخيرية بعنيزة، ليلة الاثنين، من كل أسبوعين، فقد كنت عضواً، ثم نائباً له بضع سنين.
2.الدرس الخاص بنخبة من طلبته، نحو العشرة، كل ليلة سبت، حيث استقر بنا الحال على قراءة كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد، لموفق الدين، ابن قدامة. وظل الدرس قائماً إلى قرب وفاته، رحمه الله.
وكنت أسأله، خلال هذه السنوات، عما يعِنُّ لي من مسائل، وما يُحمِّلني بعض الناس من استفتاءات لفضيلته. ثم بدا لي أن أدوِّن ما أسمع منه من أجوبة، لأرجع إليها عند الحاجة، فشرعت في التقييد في النصف من سنة سبع عشرة، وأربعمائة وألف، وليتني تقدمت! ولم يدر بخلدي، حينذاك، إلا أني أكتبها لنفسي. فاجتمع لي على مر السنوات الأربع الأخيرة من عمره المبارك جملة طيبة من المسائل، بلغت نحواً من ستمائة مسألة.
¥