وقال آخرون: وتكره للنساء لأن النهي المنسوخ يحتمل أنه خاص بالرجال، فدار بين الحظر والإباحة، فأقل أحواله الكراهة. قال في الكافي: فلما زال التحريم بالنسخ بقيت الكراهة.
2 - (لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسُّرج) أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي. وفي لفظ: (زائرات القبور)
واللعن لا يكون إلا على كبيرة من كبائر الذنوب.
وقالوا: (ولقد كره أكثر العلماء خروجهن إلى الصلوات فكيف إلى المقابر، وما أظن سقوط فرض الجمعة عليهن إلا دليلاً على إمساكهن عن الخروج فيما عداها).
قال الشيخ الألباني: (فقد تبين من تخريج الحديث أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ (زوارات) لاتفاق حديث أبي هريرة وحسان عليه وكذا حديث ابن عباس في رواية الاكثرين، على ما فيه من ضعف فهي إن لم تصلح للشهادة فلا تضر، كما لا يضر في الاتفاق المذكور الرواية الاخرى من حديث ابن عباس كما هو ظاهر، وإذا كان الامر كذلك فهذا اللفظ (زوارات) إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة، بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن، فلا يجوز حينئذ أن يعارض بهذا الحديث ما سبق من الاحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء، لانه خاص وتلك عامة.
فيعمل بكل منهما في محله، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ، وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء، فقال القرطبي: (اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج.
وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال: إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الاذن لهن، لان تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء).
قال الشوكاني في (نيل الاوطار) (4/ 95): (وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر)).
قال الإمام الترمذي: (قد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه و سلم في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء، وقال بعضهم: إنما كره زيارة القبور في النساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن).
ويمكن أن يقال إن النساء إنما يمنعن من إكثار الزيارة لما يؤدي إليه الإكثار من تضييع حقوق الزوج والتبرج والشهرة والتشبه بمن يلازم القبور لتعظيمها ولما يخاف عليها من الصراخ وغير ذلك من المفاسد وعلى هذا يفرق بين الزائرات والزوارات. هكذا قالوا.
فقد أجاب المجيزون بأجوبة عن هذا الحديث كما رأيت: منها أنه منسوخ، ومنها أنه خاص في حق المكثرات من الزيارة، أو أنه خاص بمن أدى بها ذلك إلى محظور، وهذا الأخير ضعيف.
3 - ما تقدم من قول عائشة رضي الله عنها: كيف أقول لهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قولي: (السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون).
4 - روى الحاكم وغيره من طريق بن أبي مليكة أنه رأى أن عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن فقيل لها أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟
قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها.
وفي رواية عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور).
قال الشيخ الألباني في الإرواء: (ورواه ابن ماجه (1570) من هذا الوجه عنها مختصراً بلفظ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور ").
قال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي في شرحه للزاد في ذكره لحجج المبيحين: (فمثل هذا لا إشكال في دلالته على النسخ وجهاً واحداً عند الأصوليين؛ لأنها حفظت الزمان، وحفظ الزمان في أصله تشريع، بخلاف ما لو اعترضت برأيها كقولها مثلاً: (بئس ما عدلتمونا به) في حديث الكلاب والحمير، فذلك واضح أنه اجتهاد)
¥