قال ابن القيم: (وَأَمَّا قَوْل أُمّ عَطِيَّة " نُهِينَا عَنْ اِتِّبَاع الْجَنَائِز " فَهُوَ حُجَّة لِلْمَنْعِ. وَقَوْلهَا " وَلَمْ يُعْزَم عَلَيْنَا " إِنَّمَا نَفَتْ فِيهِ وَصْف النَّهْي وَهُوَ النَّهْي الْمُؤَكَّد بِالْعَزِيمَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فِي اِقْتِضَاء التَّحْرِيم بَلْ مُجَرَّد النَّهْي كَافٍ وَلَمَّا نَهَاهُنَّ اِنْتَهَيْنَ لِطَوَاعِيَتِهِنَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , فَاسْتَغْنَيْنَ عَنْ الْعَزِيمَة عَلَيْهِنَّ , وَأُمّ عَطِيَّة لَمْ تَشْهَد الْعَزِيمَة فِي ذَلِكَ النَّهْي. وَقَدْ دَلَّتْ أَحَادِيث لَعْنَة الزَّائِرَات عَلَى الْعَزِيمَة فَهِيَ مُثْبِتَة لِلْعَزِيمَةِ فَيَجِب تَقْدِيمهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق).
7 - عن عبد الله بن عمر قال: سرنا مع رسول الله يعنى نشيع ميتاً فلما فرغنا انصرف رسول الله وانصرفنا معه، فلما توسطنا الطريق إذا نحن بامرأة مقبلة، فلما دنت إذا هي فاطمة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أخرجك يا فاطمة من بيتك؟) قالت: أتيت يا رسول الله أهل هذا البيت فعزيناهم بميتهم، فقال رسول الله: (لعلك بلغت معهم الكدى) فقالت: معاذ الله، وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر. قال: (أما إنك لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك) رواه أحمد وأبو داود والنسائي ورواه ابن حبان فى صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي. الكدى: جمع كُدية، وهي القطعة الصلبة من الأرض تحفر فيها القبور، والمراد القبور.
8 - قَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْره مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة عَنْ عَلِيّ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي جَنَازَة فَرَأَى نِسْوَة جُلُوسًا فَقَالَ: مَا يُجْلِسكُنَّ؟ فَقُلْنَ: الْجَنَازَة فَقَالَ: أَتَحْمِلْنَ فِيمَنْ يَحْمِل؟ قُلْنَ لَا قَالَ: فَتُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي؟ قُلْنَ لَا قَالَ فَتُغَسِّلْنَ فِيمَنْ يُغَسِّل؟ قُلْنَ لَا قَالَ فَارْجِعْنَ مَأْزُورَات غَيْر مَأْجُورَات " وَفِي رِوَايَة " فَتَحْثِيَن فِيمَنْ يَحْثُو؟ " وَلَمْ يَذْكُر الْغُسْل. وانظر ابن ماجه، وعبدالرزاق، وأبا يعلى. وهو حديث ضعيف.
وانظر: ضعيف ابن ماجه (344/ 1578)، الضعيفة (2742).
قال الحافظ ابن عبدالبر في الاستذكار (5/ 235): (وأما قوله في الحديث وكنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن العلماء اختلفوا في ذلك على وجهين:
فقال بعضهم: كان النهي عن زيارة القبور عاماً للرجال والنساء ثم ورد النسخ كذلك بالاباحة عاماً أيضاً فدخل في ذلك الرجال والنساء ..
واحتجوا بأن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن، وكانت فاطمة تزور قبر حمزة، وقد ذكرنا الآثار عنهما بذلك في (التمهيد)
قلت: ذكروا أن فاطمة كانت تزور قبر حمزة كل جمعة.
وقال آخرون: إنما ورد النسخ في زيارة القبور للنساء لا للرجال لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن زوارات القبور، ونحن على يقين من تحريم زيارة النساء للقبور بذلك ولسنا على يقين من الإباحة لهن؛ لأنه ممكنٌ أن تكون الزيارة أبيحت للرجال دونهن للقصد في ذلك باللعن إليهن ..
وذكروا من الحجة على ما ذهبوا إليه في ذلك حديث شعبة عن محمد بن جحادة عن أبي صالح عن بن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.
قال أبو عمر: أبو صالح هذا هو باذام، ويقال باذان بالنون، وهو مولى أم هانئ.
وحديث أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم زوارات القبور.
وقد ذكرنا أسانيدها في (التمهيد)) أهـ.
قال في تحفة الأحوذي: (وأجاب من قال بالجواز عن أحاديث الباب بأنها محمولة على زيارتهن لمحرم كالنوح وغيره).
تنبيه: إن اجتازت المرأة بقبر فى طريقها فسلمت عليه ودعت له فحسنٌ؛ لأنها لم تخرج لذلك.
وهذا مما حمل المانعون حديث عائشة رضي الله عنها عليه.
==
وفي المسألة أقوال مر بعضها:
1 - تحريم الزيارة على النساء مطلقاً.
2 - كراهتها عليهن مطلقاً كراهة تنزيه.
3 - كراهتها عليهن كراهة تنزيه، إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فتسن.
قال الشيخ العثيمين في الشرح الممتع: (والذي يترجح عندي: أنه لا استثناء).
4 - التحريم على الشابة ومن يخشى منها الفتنة، والإباحة للقواعد من النساء.
5 - التحريم على الشابة ومن يخشى منها الفتنة، والندب للمتجالَّة بشرط التحفظ والبعد عن مزاحمة الرجال ومخالطتهم وعن النياحة.
6 - الإباحة للنساء بشرط التَّحَفُّظِ والبعد عن مزاحمة الرجال ومخالطتهم وعن النياحة. ويحتمل: الندب لهن.
واعتمد المانعون على القاعدة في الأصول: (إذا تعارض حاظر ومبيح، يقدم الحاظر على المبيح).
قال في المغني: (اختلفت الرواية عن أحمد في زيارة النساء القبور فروي عنه كراهتها لما روت أم عطية قالت: نهينا عن زيارة القبور ولم يعزم علينا رواه مسلم ولأن النبي صلى الله عليه و سلم قال: [لعن الله زوارات القبور] قال الترمذي: هذا حديث صحيح وهذا خاص في النساء والنهي المنسوخ كان عاما للرجال والنساء ويحتمل أنه كان خاصا للرجال ويحتمل أيضا كون الخبر في لعن زوارات القبور بعد أمر الرجال بزيارتها فقد دار بين الحظر والإباحة فأقل أحواله الكراهة ولأن المرأة قليلة الصبر كثيرة الجزع وفي زيارتها للقبر تهييج لحزنها وتجديد لذكر مصابها ولا يؤمن أن يفضي بها ذلك الى فعل ما لا يجوز بخلاف الرجل ولهذا اختصصن بالنوح والتعديد وخصصن بالنهي عن الحلق والصلق ونحوهما والرواية الثانية لا يكره لعموم قوله عليه السلام: [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها] وهذا يدل على سبق النهي ونسخه فيدخل في عمومه الرجال والنساء وروي عن ابن أبي مليكة أنه قال لعائشة: يا أم المؤمنين أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن فقلت لها: قد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن زيارة القبور؟ قالت: نعم قد نهى ثم أمر بزيارتها وروى الترمذي: أن عائشة زارت قبر أخيها وروي عنها أنها قالت: لو شهدته ما زرته) والله تعالى أعلم.
¥