تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[23 - 01 - 08, 09:52 م]ـ

بارك الله في الشيوخ الكرام ونفعنا بما يسطرونه من علم

شيخنا الكريم أبا يوسف:

أولاً: العرف معتمد في الشرع أحالنا إليه الشرع نصاً في كثير من المسائل كالمهر والنفقة والسكنى والكفارة وإمساك الزوجة أو مفارقتها وأجر الرضاعة والمعاملات من بيع وإجارة وميال ووزن وغير ذلك كثير مع أن الإيراد المذكور وهو عدم الانضباط عند بعض الناس وارد فيها بل الإشكال فيه أعظم لأنه في حقوق الآدميين وهي مبنية على المشاحة والخصام يقع فيها أكثر من حقوق الله، لكن كما سبق العبرة بالعرف الأغلب والمطرد، والشريعة لا تأتي أحكامها بناء على النادر وإنما الحكم للغالب ولذا فالخلق يختلفون في تحمل المشاق حتى في السفر منهم من يستطيع التحمل والمشي على قدميه مسافات بعيدة ومنهم يشق عليه أدنى مسافة للسفر والمسلمون منهم الرجل والمرأة ومنهم القوي ومنهم الضعيف فالعبرة في مثل هذا الحكم العام الأغلب لا الحكم الفردي.

ثانياً: تحديد السفر بالمسافة او الزمن أشد اضطراباً فهم مختلفون في تحديده من جهة المسافة ومن جهة الزمن.

ثالثاً: أن تحديد السفر بالمسافة أو الزمن لم يدل عليه دليل شرعي فكيف نعلق الحكم الشرعي الذي أطلقه الله عزو وجل ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بحد لم يرد ربطه به وإنما يستدل الجمهور بأحاديث لا علاقة لها بتحديد السفر كحديث المسح على الخفين للمسافر وأحاديث سفر المرأة بدون محرم وليس قول من قال مسيرة ثلاثة أيام بأولى ممن قال يومين أو من قال يوماً أو من قال بريداً أو من قال أربعة برد أو ثلاثة فراسخ.

والقاعدة الشرعية تقول: (أن كل تحديد بمكان أو زمان أو عدد فإنه لا بد له من دليل)

قال ابن قدامة رحمه الله: (امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين:

أحدهما: أنه مخالف لسنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التي رويناها ولظاهر القرآن لأن ظاهره إباحة القصر لمن ضرب في الأرض لقوله: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} وقد سقط شرط الخوف بالخبر المذكور عن يعلى بن أمية فبقي ظاهر الآية متناولا كل ضرب في الأرض وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يمسح المسافر ثلاثة أيام " جاء لبيان أكثر مدة المسح فلا يصح الاحتجاج به ها هنا وعلى أنه يمكنه قطع المسافة القصيرة في ثلاثة أيام وقد سماه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سفرا فقال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم ".

والثاني: أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه) المغني (2/ 91)

رابعاً: أن القصر والفطر في السفر مما تعم به البلوى ويحتاجه المسلمون وحيث أعرض الشرع عن ذكر حد معين له صريح من مسافة أو زمن علم أن الإحالة إلى العرف مقصود شرعاً.

خامساً: أن القول بالعرف هو الذي يتوافق مع قصد الشريعة من رفع الحرج والتيسير على المكلفين والذي من أجله شرع القصر والفطر للمسافر، والرخصة شرعت لرفع الحرج والمشقة عن المكلفين لكن لما كانت المشقة مضطربة وتختلف من شخص لآخر ومن وقت لآخر صار تعليق الحكم بها صعباً على المكلفين ولا يدركه كل أحد فما كان شاقاً على شخص قد لا يكون شاقاً على غيره فيقع من الحرج في تحديد المشقة أمر آخر غير مشقة السفر، والناس ما بين متشدد محتاط وبين متساهل فعلق الله الحكم بما يكون مظنة للمشقة غالباً وهو وصف ظاهر منضبط يدركه المكلفون وهو السفر، وليس بالضررورة أن يقع عنده المشقة، فالعلة للقصر والفطر علتان علة حقيقية هي المشقة وهي المناسبة لتشريع الحكم، وعلة هي مظنة العلة الحقيقية وهي السفر.

والله أعلم

شيخنا أبا حازم بارك الله فيك:

1 - لا يخفى عليكم أن العرف في المسائل المتعلقة بحقوق الآدميين يُرجَع عند التشاحِّ فيها إلى القضاء، وعندئذ يكون الفصل فيها عند حصول الإشكال أو "عدم الانضباط". ففي المهر -مثلاً- قد يرجَع عند عدم التسمية إلى مهر عمات المرأة وإن لم يكن وحصل اختلاف فقد نصب الشارع ما يتم به حفظ الحقوق ويُرفَع به الإشكال من الرجوع للحاكم.

أما في مسألتنا فإننا نجد أن العرف قد لا يظهر للناظر فيه وجه غالب في كثير من الأحوال، وفيه اضطراب شديد حتى على بعض طلبة العلم، وقد يختلف الرفقة منهم في أسفارهم من حيث الترخص أو عدمه. فكيف نحتكم إلى مثل ذلك؟! وكيف يُعرَف الغالب في بعض تلك الأحوال؟!

2 - الذي يظهر أن التحديد هو الأيسر الذي يرفع الإشكال والاضطراب عند عامة الناس، لا سيما أنه قد غلب في هذا الزمان على كثير من الناس قلة الدين وتتبع الرخص والتساهل .. ومن تتبع أسئلة الناس في هذا الباب وجد الحيرة والاضطراب الظاهر.

3 - لا شك أن الشرع قد أناط الأحكام بما ينضبط؛ فالمشقة لا تنضبط، أما السفر فإنه هو الذي عُلِّق عليه الحكم ..

وأجد هذا مثالاً صالحاً لما ينبغي أن تتغير فيه الفتوى بتغير الزمان، وأرى أن الأئمة قد وُفِّقوا في ذلك .. ودلت إناطةُ الشرعِ الحكمَ على السفر أن ضبط الأحكام أمر مقصود، فلا ينبغي للفقيه أن يغفل عنه.

وكلام ابن قدامة -رحمه الله تعالى- على العين والرأس، وهو الظاهر الراجح، لكنه لا يضبط المسألة في أمر قد عمت به البلوى من اضطراب العرف، لا سيما في شأن أم العبادات، وركن الصيام ونحو ذلك، وللسياسة الشرعية مدخل هنا.

4 - المروي عن عمر وابن عباس من أنهما كانا يصليان ركعتين في أربعة بُرُد فما فوق، مع ما قد يُعترَض به عليه، قد يكون أحسن ما في الباب، وقد رواه البخاري معلقاً والبيهقي بسندفي سننه الكبرى .. فللفقيه أن يستأنس به. وهذا مما يؤدي المقصود في رفع الحرج، وتوحيد الكلمة، وسد باب الفوضى والتساهل. والله أعلم.

والشيخ السدوسي بارك الله فيه: ذكر أن العبرة في العرف بما كان من سير على الأقدام أو سير الإبل، فهل توافقه في ذلك شيخنا أبا حازم أحسن الله إليك؟!

وجزاكم الله خيراً على إثارة هذا الموضوع المهم النافع.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير