فإذا رأى أحد إخوانه وقد فتح الله على يديه ـ فليفرح لذلك ـ لأن الهدف واحد، وليستشعر وكأنه هو من فتح الله على يديه.
أما إن حسده فدعاه ذلك إلى تنقصه، وتنفير الناس منه، وتزوير الحقائق، فحينئذٍ يعود الجهد إلى شتات، قال تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً}.
فإذا أيقن بأنَّ فَتْحَ اللهِ على العبد منّة من الله وفضلاً، طفئت نار الحسد التي تتقدُ في صدره، وما قاد الناس إلى حب الرئاسة والظهور إلا الحسد، وامتلاء القلب من الغل.
فكم من الناس يدفعه الحسد إلى حب الترأس، فيريد أن يكون رأساً يرجع الناس إليه، يدفعه لذلك الحسد واحتقار الناس، حتى لربما فتح أبواب البدع والأقوال الشاذّة، ودفعه ذلك لترك طلب العلم مخافة أن يقال: فلان الذي يَعُدُّه الناس شيخاً يطلب العلم، فيستمر في جهله ويستكبر أن يسأل، فإذا به بعد فترة وقد تراجع وعلم تلبيس الشيطان عليه، أو فتح باب الشبهات على الناس.
قال أبو العتاهية:
أأخيّ من عشق الرئاسة خفتُ أنْ يطغى ويحدث بدعة وضلالا
وقال الفضيل بن عياض: ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير.
ولذلك لو نظرت إلى من فتح الله على يديهم وهدى لهم قلوب الناس، لرأيتهم أكثر الناس تواضعاً وطهارة للقلوب من الحسد والغل والضغينة، ولم يمنعهم ما بلغوه من المنزلة، وامتلاء صدورهم من العلم أن يتواضعوا، فوفقهم الله بسبب ذلك إلى أنْ سخّر لهم الخلق فانتفعوا بهم، يقول عبد العزيز بن حازم: " سمعت أبي يقول: العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم، كان ذلك يوم غنيمة، وإذا لقي من هو مثله ذاكره، وإذا لقي من هو دونه لم يزْهُ عليه، (أي: لم يتكبر عليه)، حتى جاء هذا الزمان، فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه، حتى يرى الناس أنه ليس به حاجة إليه، ولا يذاكر من هو مثله، ويزهى على من هو دونه، فهلك الناس).
وعليه أن يجتنب الكذب ونقل الكلام بين الناس على غير وجه التثبّت، فإنه من الكذب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
فالكذب من أعظم الآثام، ومن مساوئ الأخلاق، وقد كان أهل الجاهلية يترفعون عنه، حتى قال أبو سفيان ـ وقد كان مشركاً ـ: "كنت امرءاً سيداً أتكرم عن الكذب".
وليحذر إن أبغض شخصاً أن يفتري عليه، أو ينقل عنه ما يعلمُ أنه بريء منه لأنه يبغضه.
فمن أراد نجاح دعوته فعليه بالصدق، فإن الله يفتح عليه أبواب النعم والكرامات، وأما الكاذب فإنه وإن طال به الزمن فسيفتضح يوماً ما، وعذاب الله أخزى.
ومثل هذا لا يؤخذ عنه العلم لأن من لم يُفدْه ما ادعاه من الطلب، ولم يورِّثْه خشية وإنابة فلا خير فيه، قال مالك رحمه الله: "لا يؤخذ العلم عن رجل معروف بالكذب في أحاديث الناس، وإن كان لا يكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم".
من أجل ذلك فإنك تجد من تميز بالصدق قد جعل الله له إجلالاً ومهابة حتى في قلوب مخالفيه، عكس الكذاب الذي أذلّه الله بذنبه، وسرعان ما يبوء بالخزي والاندحار.
قال ابن القيم رحمه الله: "والكذب له تأثير عظيم في سواد الوجه، ويكسوه برقعاً من المقت يراه كل صادق، فسيما الكاذب في وجهه يُنادى عليه لمن له عينان، والصادق يرزقه الله مهابة وجلالة، فمن رآه هابه وأحبه، والكاذب يرزقه الله إهانة ومقتاً، فمن رآه مقته واحتقره".
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الدعاة إلى توحيد الله بالعبادة، وإفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وأن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. 25 شوال 1424هـ الموافق 19/ 12/2003م
^ أعلى الصفحة ( http://www.salemalajmi.com/tafreeat/24.html#top)
تنبيه بشأن محتوى الموقع ( http://www.salemalajmi.com/pages/copyright.html)
تصميم: موقع الدعوة السلفية ( http://www.daawah.net/)