تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالأخلاق والآداب مفتاح لتبيلغ الدعوة إلى الناس، فيكون لفظُ المرء حسناً وفعله حسناً حسب الإمكان، ويجاهد نفسه في هذا الباب حق الجهاد محتسباً الأجر ومستشعراً الغنيمة، فلعلك بأخلاقك تقيم أخلاق الزوجة والأبناء، أو تدعو رجلاً بمعروف تسديه إليه فيهتدي، فيكون لك من وراء ذلك ـ بفضل الله ورحمته ـ ما لم يخطر لك على بال، وربما دعا المرء بفعله أكثر من قوله، قال عمر رضي الله عنه: "تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا له الوقار والسكينة وتواضعوا لمن تعلمتم منه، ولمن علمتوه ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم".

وقال مالك: "إن حقاً على من طلب العلم أن يكون له وقارٌ وسكينة وخشية وأن يكون متبعاً لآثار من مضى قبله".

ولا يعني كون المرء خلوقاً أن يسكت عن إنكار المنكر، ويقر الباطل حتى يقال عنه خلوق، فإنه لا تضاد بين إنكار المنكر والتمسك بالآداب والأخلاق، فيكون أمره بالمعروف بمعروف، وإنكاره للمنكر بغير منكر، فلا يجفو ولا يغلو.

فإذا كان متأدبا بطرحه، قوياً في حجته، فما يضره بعد ذلك كلام من تكلم وتشويه من شوّه، وليكن همه رضا الله وحده لا شريك له ولا معبود سواه، فلا ينظر إلى فلان أو إلى علان، ولكل حال ما يقتضيه، والموفق من وفقه الله لاتباع خير الورى وصفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.

فإذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر بكل أدب وحكمة ولم يتقبل منه، فليحمد الله على ما وفق إليه من الخير، حين ضلّ عنه كثير.

قال الحسن البصري: السني يعرض الحكمة فإن قُبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله، إن قُبلت حمد الله لهداية الخلق على يديه، وإن ردت حمد الله أن وفقه الله للحق الذي لم يوفّق له من دعاه إليه.

وينبغي له بين ذلك أن يتحسس نعمة الله تعالى أن هداه، وأن يرحم حال من لم يوفّق إلى الخير، فإذا به يتأرجح بين شبهات البدع، أو ظلمات الآثام، مع القيام بأمر الله فيه، وحمد الله الذي عافاه من حاله، وليستحضر دائماً قوله تعالى: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم}، وليحذر أن يأخذه الكبر والاغترار وكأنه معصوم، فيحتقر العصاة، وكأنه كتبت له النجاة بين يدي الله، وعليه بلزوم التواضع وحمد الله على المنة، يقول ابن القيم:

واجعل لقلبك مقلتين كلاهما بالحق في ذا الخلق ناظرتان

فانظر بعين الحكم وارحمهم بها إذ لا تردُّ مشيئة الديان

وانظر بعين الأمر واحملهم على أحكامه .. فهما إذا نظران

واجعل لوجهك مقلتين كلاهما من خشية الرحمن باكيتان

لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن

وعلى طالب العلم إن أراد لدعوته المضيّ قدماً، وقطف ثمرة ما غرسه من الخير والنبت المبارك، أن يكون رحيماً بمن سار معه على طريق التمسك بالآثار، والعمل بهدي الصادق المختار صلى الله عليه وسلم، فلا يكون فظاً غليظاً فينفر منه القريب قبل البعيد، وليأخذ بما أدّب الله سبحانه به نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال: {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون}. فأوصاه بالتواضع والرحمة لمن سار على طريقه، وأحق من عمل بهذا الهدي الواضح، من ادعى اتباعه صلى الله عليه وسلم.

إن تألّف القلوب أعظم نعمة، ألم ترَ إلى امتنان الله سبحانه على نبيه أن ألّف القلوب عليه، قال تعالى: {هو الذي أيدك بنصرك وبالمؤمنين * وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم}.

وعلى من تأمل تجربة إخوانه بين أهل الشبهات والشهوات، رأف بحالهم، ولم يزد غربتهم.

فلربما رأيت في الظاهر شخصاً قائماً بأمر الله في لباسه ومظهره، وهو من الداخل منهارٌ يدافع الفتن وهي إليه أسرع، فتنة في الشارع، فتنة في المنزل، ضغط نفسي، هموم متراكمة، يحتاج إلى يد حانية تساعده على المسير حتى يبلغ الهدف، فيأتيه الفظّ الغليظ فيسيء معاملته فيُعين الشيطان عليه.

فالرحمة الرحمة .. يا من تريدون نصرة الخير، وبثّ الاعتقاد الصحيح، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم بين البشرية، قال سفيان الثوري رحمه الله: "استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء".

وعلى طالب العلم أن يتجنب كل خلق دنيء، وأعظمها الحسد، الذي يفسد القلوب ويوغر الصدور، ويشتت الشمل، ويبث الفرقة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير