تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال عبد الله بن شقيق: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ". [رواه الترمذي] (7)

ومع وضوح هذه النصوص وتواتر رواية بعضها وصحتها كلها، ومع ذلك فقد اختلف بعض أئمة الإسلام في تأويل هذه الأحاديث وتطبيق حكمها. فقال بعضهم: ذلك الحكم للمستحل للترك. وحملها آخرون بأن معنى الكفر المقصود أن تارك الصلاة فعل فعل الكافرين، وأنه عمل عملاً يؤول به إلى الكفر.

ولكن لو رجعنا لأقوال الأئمة وتحرينا معناها لوجدنا أن جميعهم يحكمون بتكفير تارك الصلاة إذا أنكر وجوبها أو إذا استحل تركها، وأن تارك الصلاة يستتاب مدة محددة فإن تاب وصلى تُرك، وإن أصر بعد الاستتابة قتل حداً كالزاني المحصن، إلا أنه يقتل بالسيف. إذن الخلاف بين الفقهاء محصور حول الفترة التي يستتاب بها، أهو فاسق أم كافر، هي فترة قصيرة وسواء أكان كافراً أم فاسقاً، فلابد من الفصل والحسم، فإما أن يتوب ويعود إلى الصلاة وإما أن يقتل حداً.

الإمام أحمد بن حنبل وابن المبارك وإسحق وبعض أصحاب الشافعي، كلهم يرون أنه كافر

لظاهر النصوص ووضوحها.

ومالك والشافعي وبعض أصحاب الشافعي يرون أنه لا يكَّفر ولكن يفسَّق فيستتاب فإن تاب وصلى قضي الأمر وحسابه عند الله، وإن أصر قتل حداً. وقال أبو حنيفة وبعض أهل الكوفة والمزني من أصحاب الشافعي، إنه لا يكفر ولا يقتل، ولكن يحبس حتى يصلي، وتأولوا الأحاديث كما ذكرناه أعلاه.

أما بالنسبة للرأي القائل بأن يحبس حتى يصلي، فإن طالت المدة كثيراً واعتاد الرجل السجن ولم يصل، فإلى متى يستمر، تنفق الأمة جهداً ومالاً وموظفين ليراعوا تاركي الصلاة زمناً غير محدود. ولا يقوم لهذا الرأي سند من آية أو حديث، وخروج واضح عن نص أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الواضحة الحاسمة. وإن مثل هذا الرأي قد يغري بعض النفوس بترك الصلاة. والإصرار على تركها.

ولكن في جميع رأي علمائنا هنالك عامل مشترك، مهما اختلفت الاجتهادات. هذا العامل المشترك هو عدم ترك " تارك الصلاة " يجول في المجتمع متحدياً أمر الله ورسوله، ومغرياً غيره بفساده. ففي أضعف الحالات كان الاجتهاد حبسه حتى يصلي. إن الاجتهاد الفقهي يجب أن يحمي المجتمع من نشر الفساد وامتداده.

4ـ قواعد إيمانية تساعد على فهم النصوص وتعين على الاجتهاد:

ونرى أنه لفهم مثل هذه الأحاديث والقضايا لا بد أن يكون هنالك قواعد إيمانية لمنهج التفكير، حتى لا يظل التفكير رأياً خاصاً غير خاضع لمنهج ولا منضبط بقواعد، وإلا أصبح من اليسير أن يتفلت كثير من الناس من بعض أحكام الدين بتأويلات تخرج عن جلاء النص وثباته وتأكيده.

القاعدة الأولى: التي أراها ضرورية هنا هي أن حكمنا على أي إنسان بالكفر بناءً على أدلة شرعية لدينا هو حكم في هذه الدنيا. نحن مكلفون أن نصدر أحكاماً آخذين بظواهر الأمور لا بما في داخل الصدور. فما في داخل الصدور لا يعلمه إلا الله. فحكمنا على رجل بالكفر يعني أن الرجل توافرت مظاهر حقيقية فيه، جعلها النص كافية لإصدار الحكم. ولا يعني هذا أن أحكام الدنيا، الأحكام التي يصدرها بشر، مهما كانت أسبابها وافية، فلا يعني أننا نفرضها في الدار الآخرة، وأن الله سبحانه وتعالى يصبح ملزماً بها، سبحانه وتعالى علواً كبيراً. ففي الدار الآخرة تقوم الموازين القسط والحق المطلق فلا ظلم أبداً، ويغفر الله لمن يشاء ويعذب من يشاء لحكمة بالغة وقضاء حق وموازين قسط.

أما في الدنيا فولي الأمر مكلف بالاجتهاد بناء على نصوص ثابتة لديه ليقيم أمر الدين ويصد فساد العابثين، وكذلك القاضي وكل مسؤول في حدود مسؤوليته.

وكذلك الحال بالنسبة لمن يقول: " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، فحكم ذلك في الدنيا أن نطالبه فوراً بإقامة مستلزمات هاتين الشهادتين من إقامة الشعائر وسائر التكاليف الربانية في حدود وسعه الصادق الذي سيحاسب عليه، فإن أبى أن يقوم بذلك وأصر فيطبق عليه حكم الإسلام، حكم تارك الصلاة وسائر الشعائر، ويقتل حداً، ولو أنه يقول الشهادتين. إننا نحكم حكماً آنياً بإسلام من قال الشهادتين، ونقبل منه ذلك، ثم ننتظر أن يؤدي حقوق الشهادتين. فإن كان لا يعرفها علمناه إياها، ثم طالبناه بالتزامها. وهذا الحكم حكم دنيوي آني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير