تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الحكم في الآخرة فالله وحده يعلم بما في صدور العالمين، فقد يدخل الله عبده الجنة إذا علم أن في قلبه إيماناً، وقد يدخله النار إذا علم أن في قلبه كفراً، وقد يغفر الله لفاسق في الدنيا، وقد لا يغفر له، كل ذلك على موازين قسط وقضاء حق عادل لا ظلم معه أبداً. وليس بمقدور البشر أن يحكموا في الدنيا بأحكام يرون أنها ستمتد للآخرة. الناس مكلفون في الدنيا بتنفيذ منهاج الله قرآناً وسنة، ولابد أن يجتهدوا من أجل ذلك، وقد يصيبون وقد يخطئون، فأحكامهم تظل أحكاماً بشرية اجتهادية مداها هذه الحياة الدنيا.

والقاعدة الثانية: من يصدر هذه الأحكام ومدى جدواها؟:

فقد يصدر الحكم من القضاء الإسلامي الملتزم بالكتاب والسنة، ويعقب الحكم إجراء تنفيذي بالحبس والاستتابة، أو القتل حداً إن أصر على عدم الصلاة.وقد يصدر حكم ما من قضاء ما يعقبه إجراء قائم على القوانين الوضعية. وقد يكون الرأي حديث مجلس ينتهي أثره بانتهاء المجلس، ولا يكون له أثر بعد ذلك في المجتمع والأمة. أما إن كان المجتمع يحكمه منهاج الله، يلتزمه الكبير والصغير، فيكون الحكم عبرة للناس وطاعة لله وردعاً للآخرين. ويظل الحكم خاضعاً للقاعدة الأولى. وأما حديث المجالس فيعتمد على مستوى أهل المجلس ومستوى الفقه فيه والغاية من إثارة هذا الموضوع. فإن كان مجلس علم فخير إن شاء الله، على أن يلتزم المجلس بالكتاب والسنة ويستأنسوا بآراء الفقهاء، وأما إن كان مجلساً عادياً تساق فيه الآراء ارتجالاً دون تحقيق وتمحيص، فخير أن يتوقف الجميع ليعود كل واحد إلى دراسة الموضوع ليقدم كل رأياً مدروساً عن بينة وعلم، فلا يقفو أحد ما ليس له به علم:

(ولا تقف ما ليس لك به علم إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) [الإسراء: 36]

وفي غالب الأحيان تصدر الآراء رواية عن هذا وذاك، دون أن ينهض المسلم إلى ما أمره الله به: " طلب العلم فريضة على كل مسلم "، ودون أن يعرف الدليل عند من نقل رأيه، ودون أن يرد الأمر كله للكتاب والسنة.

والقاعدة الثالثة: أصبح كثير من المسلمين لو سألته: لم تركت الصلاة فيقول: " كسلا "! ولكن الكسل ليس عذراً مقبولاً في الإسلام ليسوغ ترك الصلاة. ولو كان العذر الكسل، لترك الرجل الصلاة يوماً أو يومين أو مدة قصيرة، يتذكر بعدها أن الصلاة فرض وأنها ركن من الأركان الخمسة. أما أن يظل تاركاً للصلاة عمره كله بحجة الكسل، فهذا عذر مرفوض ديناً وعقلاً. والواقع اليوم يكشف لنا أن الملايين من المنتسبين إلى الإسلام لا يصلون. وقد يلجؤون إلى عذر الكسل، أو على الأصح اللامبالاة وعدم الاهتمام. وإذا ذكَّرت أحداً من هؤلاء بأمر الدين ومنزلة الصلاة أجابك: هذا أمر يخصني أنا، وهي علاقة بيني وبين الله. فيصدك بإصرار عن أن تتدخل في أمر تركه للصلاة أو تنصحه. لقد ذهب وازع السلطة، الوازع الذي شرعه الله للمؤمنين، حتى يقيم فيهم شرع الله، ويقيم أمر الدين كله. فتفلت الناس ووجدوا من يغريهم على التفلت ويهون لهم أمر ترك الصلاة. فإذا كان المرض الشديد لا يجيز ترك الصلاة، وإذا كان الخوف لا يجيز ترك الصلاة، وإذا كان المسلم مكلفاً بإقامة الصلاة في جميع حالاته لا يُقبَل له عذر بتركها، فهل يُقبَل عذر الكسل؟!

القاعدة الرابعة: يجب التفريق في واقعنا اليوم بين حكم تارك الصلاة، وبين طريقة معالجة هذه المشكلة. فحكم تارك الصلاة في الإسلام واحد، لا عذر عند الله لأحد بتركها أبداً، ونحن مكلفون أن نوضح هذه الحقيقة للناس توضيحاً جلياً عسى أن يرتدع بعض تاركي الصلاة. واليوم عدد تاركي الصلاة كبير جداً في العالم الإسلامي، ملايين تتلوها ملايين، ولا يتوافر سلطان ليزجر أو يستتيب أو يقيم الحد. وهو ابتلاء من الله كبير. ولكن يبقى تارك الصلاة، بالنسبة للاجتهاد البشري في هذه الحياة الدنيا كافراً، ولكن تختلف طريقة المعالجة لهذه المشكلة المتزايدة. فالحكم ثابت مدى الأزمان، وطريقة التعامل والمعالجة تختلف. وأعتقد أن رأي أبي حنيفة في شأن تارك الصلاة وسيلة لمعالجة مشكلة في الواقع أكثر منها حكماً شرعياً ملتزماً بنصوص شرعية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير