تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء و هو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك الجراثيم، و الحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك، بل هو يؤيدهم إذ يخبر أن في أحد جناحيه داء، و لكنه يزيد عليهم فيقول: " و في الآخر شفاء " فهذا مما لم يحيطوا بعلمه، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين، و إلا فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه. نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة، و قد اختلفت آراء الأطباء حوله، و قرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه تأييدا أو ردا، و نحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث و أن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)، لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب، لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي و مع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح،و لذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال:

" يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة، فينقل بعضها بأطرافه، و يأكل بعضا، فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا "، و هي تقتل كثيرا من جراثيم الأمراض، و لا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا. و أن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب، هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته، و على هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام و ألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم و أول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد جناحيه، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه، و غمس الذباب كله و طرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة، و كاف في إبطال عملها ".

و قد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا ضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد السيوطي (مجلد العام الأول) و قرأت كلمة في مجلد العام الفائت (ص 503) كلمة للطبيبين محمود كمال و محمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر. ثم وقفت على العدد (82) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان: " أنت تسأل، و نحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير، جوابا له على سؤال عما لهذا الحديث من الصحة و الضعف؟ فقال:

" أما حديث الذباب، و ما في جناحيه من داء و شفاء، فحديث ضعيف، بل هو عقلا حديث مفترى، فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم و الأقذار ... و لم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء و في الآخر شفاء، إلا من وضع هذا الحديث أو افتراه، و لو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب و يحض على مكافحته ". و في الكلام على اختصاره من الدس و الجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، و صيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف القول! فأقول:

أولا: لقد زعم أن الحديث ضعيف، يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل قوله: " بل هو عقلا حديث مفترى ". و هذا الزعم واضح البطلان، تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و كلها صحيحة. و حسبك دليلا على ذلك أن أحدا من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء!

ثانيا: لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا. و هذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه، لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به، ألست تراه يقول: " و لم يقل أحد ... ، و لو صح لكشف عنه العلم الحديث ... ". فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما، أم أن أهله الذين لم يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون: إننا كلما ازددنا علما بما في الكون و أسراره، ازددنا معرفة بجهلنا! و أن الأمر بحق كما قال الله تبارك و تعالى: (و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير