[أما من قال: أنا صائم إن شاء الله، أو أنا مؤمن إن شاء الله، فإذا كان قصد بذلك التبرك بذكر المشيئة فلا بأس، ولا ينقص من إيمانه شيء، ولا من صيامه شيء، وكذلك إذا قصد بقوله: إن شاء الله التعليل يعني: أني صائم بمشيئة الله، أو أني مؤمن بمشيئة الله، فلا بأس أيضاً؛ لأن التعليل بالمشيئة ثابت حتى في الأمور المتيقنة، ألا ترى إلى قول الله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [الفتح:27] مع أن هذا خبر مؤكد من الله، ومع هذا علق بالمشيئة، ألا ترى إلى قول من يزور المقابر: (وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) ومعلوم أن الإنسان سوف يلحق بكل تأكيد، لكن هذا من باب التعليل بالمشيئة. فإذا قصد التبرك فهذا جائز، أو التعليل بالمشيئة فهذا أيضاً جائز، أما إذا قال: إن شاء الله متردداً في ذلك فإنه ليس بمؤمن؛ لأن الإيمان لا بد فيه من الجزم، فلو قال: أنا مؤمن إن شاء الله متردداً في ذلك فهو لم يؤمن ويعتبر كافراً؛ لأن الواجب الجزم بالإيمان، وكذلك أيضاً يقال في الصيام: إذا كان متردداً فإن صومه لا يصح، أما إذا ذكر ذلك على سبيل التبرك أو على سبيل التعليل بالمشيئة فهذا لا بأس به. السائل: قوله: سوف آتيك غداً إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً؟ الشيخ: هذا أيضاً لا ينبغي، بل لو شئت لقلت: إن هذا داخل في النهي وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23 - 24] وهو إذا قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً لم يستفد من قوله: إن شاء الله شيئاً، ما دام أنه جزم، وهذا من آداب الله عز وجل التي أدب بها العباد ألا يجزمن الإنسان على شيء في المستقبل، لا يقل: سآتي غداً حتماً سيكون؛ لأن الأمر بيد الله، أما من أخبر عما في ضميره أنه عازم على الإتيان غداً فهنا لا يحتاج إلى ذكر المشيئة؛ لأنه يخبر عن أمر واقع، والإخبار عن أمر واقع لا يحتاج إلى القرن بالمشيئة، فإذا قال إنسان: أتزورني غداً؟ قلت: نعم، تريد أن تخبر عما في نفسك من أنك عازم على الزيارة هذا لا بأس به؛ لأن العزم قد حصل، أما إذا قلت: نعم يعني: تريد أن يتحقق هذا بالفعل فلا، وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23 - 24].
السائل: وقول شيخ الإسلام؟
الشيخ: شيخ الإسلام قصده تشجيع الجند على الإقدام].
" لقاء الباب المفتوح " شريط (76) وجه ب.
قال شيخنا الفقيه حمد الحمد في " كتاب الطلاق " من " الزاد ":
[وفصَّل شيخ الإسلام تفصيلاً حسناً في هذه المسألة فقال: إن كان تعليقاً فلا يقع، وإن كان تحقيقاً أو تأكيداً فإنه يقع، فإذا قال ذلك تعليقاً أي علقه على مشيئة الله المستقلة فلا تطلق عليه؛ لأن الله لا يشاؤه في الواقع وقوعاً حتى يتكلم به هذا المكلف، فلا يقال إن الله شاء الطلاق لفلانة من فلان إلا أن يكون قد وقع وحدث، وعليه فإذا قال لها "أنت طالق إن شاء الله " فلا تطلق حتى يقول لها بعد ذلك: " أنت طالق "، وأما إن كان تحقيقاً أو تأكيداً بمعنى قال: " إن شاء الله" يحقق قوله أي قد وقع قوله وشاءه الله عز وجل فهذا هو التحقيق، أو تأكيداً كأن يقول: " إن شاء الله " مؤكداً للطلاق مثبتاً له].
أخي الشيخ هماما:
عند تأمل كلام الشيخين وجدت:
1 - ذم استخدام هذه الكلمة " إن شاء الله تحقيقا " كما هو ظاهر كلام الشيخ ابن عثيمين.
2 - الفرق بين التوكيد والتحقيق.
3 - معنى " ... إن شاء الله محلقين ... ".
فتأمل.
ـ[حارث همام]ــــــــ[04 - 02 - 08, 10:38 ص]ـ
شكر الله لك لعل لما قلت وجه، وأختصر التعقيب حتى لا يخرج الموضوع عن المراد به في عنوانه.
والكلام على مسألتين؛ احتمال توجيه كلام المشايخ، أو عرض تقريراتهم على تحقيقات غيرهم من أهل العلم، والذي يظهر باختصار:
1 - كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه ليس بظاهر في الذم مطلقاً بل فيه تفصيل ولم يذم استخدامها مطلقاً وإنما ذهب إلى أنه لا فائدة فيه، إذا كان جازماً مخبراً عما في ضميره مما عزم به، وفي هذا بحث أعني عدم الفائدة فقد قرر -رحمه الله- في أول الكلام أنه لابأس به إن كان قصده منه التعليل أو التبرك، مع أن في هذا بحث أيضاً، لكن القصد من التذكير به توجيه قوله: "هذا أيضاً لا ينبغي"، فيحمل على ما فصله في شأن غير الجازم بما في ضميره. وإن لم يرتض هذا التوجيه، فالقصد منه حمل كلام شيخنا محملاً حسناً بدلالة أول كلامه، وإلاّ فليراجع في جواز القطع ببعض الأمور ما قرره شيخ الإسلام في غير موضع ومنها ما في الفتاوى 3/ 289 - 290، ليعلم أنه قد ينبغي بل قد يجب.
2 - أما الفرق بين التوكيد والتحقيق فكذلك قد يفهم من كلام الشيخ الحمد، وقد يقال إنما أراد تنويع العبارة للإفهام، وأياً ما كان قول الشيخ حفظه الله، فالصحيح أن التحقيق فيه معنى التوكيد، فالتحقيق تفعيل من حقق، كالتقطيع من قطع، والتركيب من ركب، والذي يزعم أنه فاعل ويزعم أنهم محقق فهو مؤكد لزعمه أو عزمه، ثم قد يتضمن التحقيق مع التوكيد معنى آخر وذلك بحسب المُحَقق به فقد يكون التحقيق بالمشية أو بقد أو إن أو التكرار أو غير ذلك فإن كان بالمشيئة فكما علقت سابقاً قد يريد به إذ شاء الله، فهو يخبر عن مشيئة الله، وهذا متجه في كثير من القطعيات، كأن يقول لا يغفر الله لمن مات مصراً على سب الأنبياء إذ شاء الله، وقد يأتي لمعان أخر كما أشرت، وقد ذهب الشيخ العلامة ابن عثيمين في الجواب الآنف إلى أن منها التبرك، وليس قصده التبرك بذكر المشيئة مجردة، فهي مشروعة لمعنى، كما يقال في التبرك بالبداءة بالبسملة فلا يعني هذا أنه ليس فيها من معاني الاستعانة وغيرها ما فيها، فلا تنافي، بل التبرك بقول إن شاء الله لا يشرع إلاّ لمعنى، وإلاّ فليس ممن الذكر المشروع أن يردد المرء إن شاء الله في غير سياق يفيد معنى.
3 - أما معنى " إن شاء الله محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون"، فقد تكلم فيه شيخ الإسلام في مواضع وناقش توجيهات من وجهها على غير ما ذكرت سابقاً فليراجع كلامه وهو منسجم مع ما ذكرت يؤيد ما ذكرته به.
والله أعلم.