تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومعنى التأويل: أن يقصد بكلامه محتَمَلا يخالف ظاهره , نحو أن يحلف: إنه أخي , يقصد أخوة الإسلام , أو المشابهة , أو يعني بالسقف والبناء السماء ... ، أو يقول: والله ما أكلت من هذا شيئا , ولا أخذت منه. يعني: الباقي بعد أخذه وأكله.

فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه , إذا عناه بيمينه , فهو تأويل ; لأنه خلاف الظاهر.

ولا يخلو حال الحالف المتأول , من ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يكون مظلوما , مثل من يستحلفه ظالم على شيء , لو صدَقه لظلمه , أو ظلم غيره , أو نال مسلما منه ضرر. فهذا له تأويله.

وقد روى أبو داود , بإسناده عن سويد بن حنظلة , قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر , فأخذه عدو له , فتحرج القوم أن يحلفوا , فحلفت أنه أخي , فخلى سبيله , فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: (أنت أبرُّهم وأصدقُهم , المسلم أخو المسلم) صححه الألباني في صحيح أبي داود

وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) [ضعيف، وصح موقوفا عن عمر. ينظر: صحيح الأدب المفرد 857]. يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غيرَ ما عناه.

قال محمد بن سيرين: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني لا يحتاج أن يكذب ; لكثرة المعاريض , وخص الظريف بذلك ; يعني به الكيس الفطن , فإنه يفطن للتأويل , فلا حاجة به إلى الكذب.

الحال الثاني: أن يكون الحالف ظالما , كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده , فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف , ولا ينفع الحالف تأويله. وبهذا قال الشافعي. ولا نعلم فيه مخالفا؛ فإن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يمينك على ما يصدقك به صاحبك) رواه مسلم وأبو داود.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اليمين على نية المستحلف}. رواه مسلم.

وقالت عائشة: اليمين على ما وقع للمحلوف له.

ولأنه لو ساغ التأويل , لبطل المعنى المبتغى باليمين؛ إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود , خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة , فمتى ساغ التأويل له , انتفى ذلك , وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق , ولا نعلم في هذا خلافا.

الحال الثالث: لم يكن ظالما ولا مظلوما , فظاهر كلام أحمد , أن له تأويله , فروي أن مَهَنّا كان عنده , هو والمروذي وجماعة , فجاء رجل يطلب المروذي , ولم يرد المروذي أن يكلمه , فوضع مهنا أصبعه في كفه , وقال: ليس المروذي هاهنا , وما يصنع المروذي هاهنا؟ يريد: ليس هو في كفه، ولم ينكر ذلك أبو عبد الله.

... وقال أنس: إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله , احملني. فقال رسول الله: (إنا حاملوك على ولد الناقة. قال: وما أصنع بولد الناقة؟ قال: وهل تلد الإبل إلا النوق؟). رواه أبو داود.

وقال لرجل احتضنه من ورائه: (من يشتري هذا العبد؟ فقال: يا رسول الله , تجدني إذا كاسدا. قال: لكنك عند الله لست بكاسد).

وهذا كله من التأويل والمعاريض , وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقا , فقال (لا أقول إلا حقا) ... " انتهى ـ باختصار ـ من "المغني" (9/ 420).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله فيمن اغتاب إنسانا ثم تاب وأحسن:

" وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب له الاعتراف لو سأله، فيعرّض ولو مع استحلافه؛ لأنه مظلوم، لصحة توبته، وفي تجويز التصريح بالكذب المباح ههنا نظر. ومع عدم توبةٍ وإحسانٍ تعريضُه كذب، ويمينه غموس، واختيار أصحابنا: لا يُعلمه؛ بل يدعو له في مقابلة مظلمته " انتهى من "الاختيارات الفقهية" (5/ 507) مطبوع مع الفتاوى الكبرى، ونقله ابن مفلح في الفروع (7/ 97).

وينظر تفصيل مسألة التأويل في الحلف في "الموسوعة الفقهية" (7/ 306).

خامسا:

جاءت الرخصة في الكذب في ثلاثة مواضع، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (1939) وأبو داود (4921) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ). والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير