تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر}.

وما كان مباحا قبل اليمين إذا حلف الرجل عليه لم يصر حراما؛ بل له أن يفعله ويكفر عن يمينه وما لم يكن واجبا فعله إذا حلف عليه لم يصر واجبا عليه بل له أن يكفر يمينه ولا يفعله ولو غلظ في اليمين بأي شيء غلظها؛ فأيمان الحالفين لا تغير شرائع الدين وليس لأحد أن يحرم بيمينه ما أحله الله ولا يوجب بيمينه ما لم يوجبه الله. هذا هو شرع محمد صلى الله عليه وسلم وأما شرع من قبله فكان في شرع بني إسرائيل إذا حرم الرجل شيئا حرم عليه وإذا حلف ليفعلن شيئا وجب عليه ولم يكن في شرعهم كفارة فقال تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة} فإسرائيل حرم على نفسه شيئا فحرم عليه وقال الله تعالى لنبينا: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم} {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} وهذا الفرض هو المذكور في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} {وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون}.

ولهذا لما لم يكن في شرع من قبلنا كفارة بل كانت اليمين توجب عليهم فعل المحلوف عليه أمر الله أيوب أن يأخذ بيده ضغثا فيضرب به ولا يحنث لأنه لم يكن في شرعه كفارة يمين ولو كان في شرعه كفارة يمين كان ذلك أيسر عليه من ضرب امرأته ولو بضغث؛ فإن أيوب كان قد رد الله عليه أهله ومثلهم معهم؛ لكن لما كان ما يوجبونه باليمين بمنزلة ما يجب بالشرع. كانت اليمين عندهم كالنذر. والواجب بالشرع قد يرخص فيه عند الحاجة كما يرخص في الجلد الواجب في الحد إذا كان المضروب لا يحتمل التفريق؛ بخلاف ما التزمه الإنسان بيمينه في شرعنا فإنه لا يلزم بالشرع فيلزمه ما التزمه وله مخرج من ذلك في شرعنا بالكفارة.

ولكن بعض علمائنا لما ظنوا أن الأيمان مما لا مخرج لصاحبه منه بل يلزمه ما التزمه فطنوا أن شرعنا في هذا الموضع كشرع بني إسرائيل احتاجوا إلى الاحتيال في الأيمان: إما في لفظ اليمين وإما بخلع اليمين وإما بدور الطلاق وإما بجعل النكاح فاسدا فلا يقع فيه الطلاق. وإن غلبوا عن هذا كله دخلوا في التحليل وذلك لعدم العلم بما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع من الحنيفية السمحة وما وضع الله به من الآصار والأغلال كما قال تعالى: {ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون} {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}.

وصار ما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هو الحق في نفس الأمر وما أحدث غيره غايته أن يكون بمنزلة شرع من قبله مع شرعه؛ وإن كان الذين قالوه باجتهادهم لهم سعي مشكور وعمل مبرور وهم مأجورون على ذلك مثابون عليه؛ فإنه كل ما كان من مسائل النزاع التي تنازعت فيه الأمة فأصوب القولين فيه ما وافق كتاب الله وسنة رسوله: من أصاب هذا القول فله أجران ومن لم يؤده اجتهاده إلا إلى القول الآخر كان له أجر واحد؛ والقول الموافق لسنته مع القول الآخر بمنزلة طريق سهل مخصب يوصل إلى المقصود وتلك الأقوال فيها بعد وفيها وعورة وفيها حدوثة. فصاحبها يحصل له من التعب والجهد أكثر مما في الطريقة الشرعية. ولهذا أذاعوا ما دل عليه الكتاب والسنة على تلك الطريقة التي تتضمن من لزوم ما يبغضه الله ورسوله: من القطيعة والفرقة؛ وتشتيت الشمل وتخريب الديار وما يحبه الشيطان والسحرة من التفريق بين الزوجين وما يظهر ما فيها من الفساد لكل عاقل. ثم إما أن يلزموا هذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير