تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الشر العظيم ويدخلوا في الآصار والأغلال. وإما أن يدخلوا في منكرات أهل الاحتيال وقد نزه الله النبي وأصحابه من كلا الفريقين بما أغناهم به من الحلال.

" فالطرق ثلاثة ": أما الطريقة الشرعية المحضة الموافقة للكتاب والسنة وهي طريق أفاضل السابقين الأولين وتابعيهم بإحسان. وأما طريقة الآصار والأغلال والمكر والاحتيال وإن كان من سلكها من سادات أهل العلم والإيمان وهم مطيعون لله ورسوله فيما أتوا به من الاجتهاد المأمور به {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}. وهذا كالمجتهد في القبلة إذا أدى اجتهاد كل فرقة إلى جهة من الجهات الأربع: فكلهم مطيعون لله ورسوله مقيمون للصلاة؛ لكن الذي أصاب القبلة في نفس الأمر له أجران والعلماء ورثة الأنبياء وقال تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين} {ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} وكل مجتهد مصيب: بمعنى أنه مطيع لله؛ ولكن الحق في نفس الأمر واحد

والمقصود هنا أن ما شرع الله تكفيره من الأيمان هو مكفر ولو غلظه بأي وجه غلظ ولو التزم أن لا يكفره كان له أن يكفره فإن التزامه أن لا يكفره التزام لتحريم ما أحله الله ورسوله وليس لأحد أن يحرم ما أحله الله ورسوله؛ بل عليه في يمينه الكفارة. فهذا الملتزم لهذا الالتزام الغليظ هو يكره لزومه إياه وكلما غلظ كان لزومه له أكره إليه وإنما التزمه لقصده الحظر والمنع؛ ليكون لزومه له مانعا من الحنث؛ لم يلتزمه لقصد لزومه إياه عند وقوع الشرط؛ فإن هذا القصد يناقض عقد اليمين؛ فإن الحالف لا يحلف إلا بالتزام ما يكره وقوعه عند المخالفة؛ ولا يحلف قط إلا بالتزامه ما يريد وقوعه عند المخالفة فلا يقول حالف إن فعلت كذا غفر الله لي ولا أماتني على الإسلام؛ بل يقول: إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو نسائي طوالق أو عبيدي أحرار. أو كل ما أملكه صدقة أو علي عشر حجج حافيا مكشوف الرأس على مذهب مالك بن أنس أو فعلي الطلاق على المذاهب الأربعة أو فعلي كذا على أغلظ قول. وقد يقول مع ذلك: علي أن لا أستفتي من يفتيني بالكفارة ويلتزم عند غضبه من اللوازم ما يرى أنه لا مخرج له منه إذا حنث. ليكون لزوم ذلك مانعا من الحنث وهو في ذلك لا يقصد قط أن يقع به شيء من تلك اللوازم وإن وقع الشرط أو لم يقع وإذا اعتقد أنها تلزمه التزمها لاعتقاده لزومها إياه مع كراهته لأن يلتزمه؛ لا مع إرادته أن يلتزمه وهذا هو الحالف واعتقاد لزوم الجزاء غير قصده للزوم الجزاء. فإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط: لزمه مطلقا؛ ولو كان بصيغة القسم فلو كان قصده أن يطلق امرأته إذا فعلت ذلك الأمر أو إذا فعل هو ذلك الأمر. فقال: الطلاق يلزمني لا تفعلين كذا. وقصده أنها تفعله فتطلق؛ ليس مقصوده أن ينهاها عن الفعل ولا هو كاره لطلاقها؛ بل هو مريد لطلاقها: طلقت في هذه الصورة ولم يكن هذا في الحقيقة حالفا؛ بل هو معلق للطلاق على ذلك الفعل بصيغة القسم ومعنى كلامه معنى التعليق الذي يقصد به الإيقاع فيقع به الطلاق هنا عند الحنث في اللفظ الذي هو بصيغة القسم. ومقصوده مقصود التعليق. والطلاق هنا إنما وقع عند الشرط الذي قصد إيقاعه عنده؛ لا عند ما هو حنث في الحقيقة؛ إذا لاعتبار بقصده ومراده؛ لا بظنه واعتقاده: فهو الذي تبنى عليه الأحكام كما قال النبي صلى الله عليه وسلم {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى}.

والسلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وجماهير الخلف من أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم متفقون على أن اللفظ الذي يحتمل الطلاق وغيره إذا قصد به الطلاق فهو طلاق وإن قصد به غير الطلاق لم يكن طلاقا. وليس للطلاق عندهم لفظ معين؛ فلهذا يقولون: إنه يقع بالصريح والكناية. ولفظ الصريح عندهم كلفظ الطلاق لو وصله بما يخرجه عن طلاق المرأة لم يقع به الطلاق كما لو قال لها: أنت طالق من وثاق الحبس أو من الزوج الذي كان قبلي ونحو ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير