تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال بعض الظاهرية: إذا وقع بلفظ الطلاق كان طلاقا رجعيا؛ لا بائنا؛ لأنه لم يمكنه أن يجعله طلاقا بائنا لمخالفة القرآن؛ وظن أنه بلفظ الطلاق يكون طلاقا فجعله رجعيا وهذا خطأ؛ فإن مقصود الافتداء لا يحصل إلا مع البينونة؛ ولهذا كان حصول البينونة بالخلع مما لم يعرف فيه خلاف بين المسلمين؛ لكن بعضهم جعله جائزا؛ فقال: للزوج أن يرد العوض ويراجعها؛ والذي عليه الأئمة الأربعة والجمهور أنه لا يملك الزوج وحده أن يفسخه ولكن لو اتفقا على فسخه كالتقايل: فهذا فيه نزاع آخر كما بسط في موضعه. والمقصود هنا أن كتاب الله يبين أن الطلاق بعد الدخول لا يكون إلا رجعيا وليس في كتاب الله طلاق بائن إلا قبل الدخول. وإذا انقضت العدة فإذا طلقها ثلاثا فقد حرمت عليه وهذه البينونة الكبرى وهي إنما تحصل بالثلاث لا بطلقة واحدة مطلقة؛ لا يحصل بها لا بينونة كبرى ولا صغرى. وقد ثبت عن ابن عباس أنه قيل له. إن أهل اليمن عامة طلاقهم الفداء فقال ابن عباس: ليس الفداء بطلاق. ورد المرأة على زوجها بعد طلقتين وخلع مرة. وبهذا أخذ أحمد بن حنبل في ظاهر مذهبه والشافعي في أحد قوليه؛

لكن تنازع أهل هذا القول: هل يختلف الحكم باختلاف الألفاظ؟ والصحيح أن المعنى إذا كان واحدا فالاعتبار بأي لفظ وقع؛ وذلك أن الاعتبار بمقاصد العقود وحقائقها لا باللفظ وحده فما كان خلعا فهو خلع بأي لفظ كان وما كان طلاقا فهو طلاق بأي لفظ كان وما كان يمينا فهو يمين بأي لفظ كان وما كان إيلاء فهو إيلاء بأي لفظ كان وما كان ظهارا فهو ظهار بأي لفظ كان. والله تعالى ذكر في كتابه " الطلاق " و " اليمين " و " الظهار " و " الإيلاء " و " الافتداء " وهو الخلع وجعل لكل واحد حكما فيجب أن نعرف حدود ما أنزل الله على رسوله وندخل في الطلاق ما كان طلاقا وفي اليمين ما كان يمينا وفي الخلع ما كان خلعا وفي الظهار ما كان ظهارا؛ وفي الإيلاء ما كان إيلاء. وهذا هو الثابت عن أئمة الصحابة وفقهائهم والتابعين لهم بإحسان. ومن العلماء من اشتبه عليه بعض ذلك ببعض فيجعل ما هو ظهار طلاقا: فيكثر بذلك وقوع الطلاق الذي يبغضه الله ورسوله ويحتاجون إما إلى دوام المكروه؛ وإما إلى زواله بما هو أكره إلى الله ورسوله منه وهو " نكاح التحليل ".

وأما الطلاق الذي شرعه الله ورسوله فهو أن يطلق امرأته إذا أراد طلاقها طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه أو كانت حاملا قد استبان حملها ثم يدعها تتربص ثلاثة قروء فإن كان له غرض راجعها في العدة وإن لم يكن له فيها غرض:؟ سرحها بإحسان. ثم إن بدا له بعد هذا إرجاعها يتزوجها بعقد جديد ثم إذا أراد ارتجاعها أو تزوجها وإن أراد أن يطلقها طلقها فهذا طلاق السنة المشروع. ومن لم يطلق إلا طلاق السنة لم يحتج إلى ما حرم الله ورسوله من نكاح التحليل وغيره؛ بل إذا طلقها ثلاث تطليقات له في كل طلقة رجعة أو عقد جديد: فهنا قد حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ولا يجوز عودها إليه بنكاح تحليل أصلا؛ بل قد {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له} واتفق على ذلك أصحابه وخلفاؤه الراشدون وغيرهم فلا يعرف في الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدا من خلفائه أو أصحابه أعاد المطلقة ثلاثا إلى زوجها بعد نكاح تحليل أبدا ولا كان نكاح التحليل ظاهرا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بل كان من يفعله سرا وقد لا تعرف المرأة ولا وليها وقد {لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له} وفي الربا قال: {لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه} فلعن الكاتب والشهود لأنهم كانوا يشهدون على دين الربا ولم يكونوا يشهدون على نكاح التحليل.

و " أيضا " فإن النكاح لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكتب فيه صداق كما تكتب الديون ولا كانوا يشهدون فيه لأجل الصداق؛ بل كانوا يعقدونه بينهم وقد عرفوا به ويسوق الرجل المهر للمرأة فلا يبقى لها عليه دين؛ فلهذا لم يذكر رسول الله في نكاح التحليل الكاتب والشهود كما ذكرهم في الربا. ولهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإشهاد على النكاح حديث. ونزاع العلماء في ذلك على أقوال في مذهب أحمد وغيره. فقيل: يجب الإعلان أشهدوا أو لم يشهدوا فإذا أعلنوه ولم يشهدوا تم العقد وهو مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايات. وقيل: يجب الإشهاد: أعلنوه أو لم يعلنوه فمتى أشهدوا وتواصوا بكتمانه لم يبطل وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايات. وقيل: يجب الأمران الإشهاد والإعلان. وقيل: يجب أحدهما. وكلاهما يذكر في مذهب أحمد.

وأما " نكاح السر " الذي يتواصون بكتمانه ولا يشهدون عليه أحدا: فهو باطل عند عامة العلماء وهو من جنس السفاح قال الله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين} ولا متخذي أخدان. وهذه المسائل مبسوطة في موضعها.

(مجموع الفتاوى 8/ 451 - 453 – نسخة الشاملة)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير