تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمرأة إذا أبغضت الرجل كان لها أن تفتدي نفسها منه كما قال تعالى {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} وهذا الخلع تبين به المرأة فلا يحل له أن يتزوجها بعده إلا برضاها وليس هو كالطلاق المجرد؛ فإن ذلك يقع رجعيا له أن يرتجعها في العدة بدون رضاها؛ لكن تنازع العلماء في هذا الخلع: هل يقع به طلقة بائنة محسوبة من الثلاث؟ أو تقع به فرقة بائنة وليس من الطلاق الثلاث بل هو فسخ؟ على قولين مشهورين.

و " الأول " مذهب أبي حنيفة ومالك وكثير من السلف ونقل عن طائفة من الصحابة؛ لكن لم يثبت عن واحد منهم بل ضعف أحمد بن حنبل وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم جميع ما روي في ذلك عن الصحابة. و " الثاني " أنه فرقة بائنة وليس من الثلاث وهذا ثابت عن ابن عباس باتفاق أهل المعرفة بالحديث وهو قول أصحابه: كطاوس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وهو ظاهر مذهب أحمد بن حنبل وغيره من فقهاء الحديث وإسحاق بن راهويه؛ وأبي ثور وداود وابن المنذر وابن خزيمة وغيرهم. واستدل ابن عباس على ذلك بأن الله تعالى ذكر الخلع بعد طلقتين ثم قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فلو كان الخلع طلاقا لكان الطلاق أربعا. ثم أصحاب هذا القول تنازعوا: هل يشترط أن يكون الخلع بغير لفظ الطلاق؟ أو لا يكون إلا بلفظ الخلع والفسخ والمفاداة ويشترط مع ذلك أن لا ينوي الطلاق؟ أو لا فرق بين أن ينويه أو لا ينويه وهو خلع بأي لفظ وقع بلفظ الطلاق أو غيره؟ على أوجه في مذهب أحمد وغيره: أصحها الذي دل عليه كلام ابن عباس وأصحابه وأحمد بن حنبل وقدماء أصحابه وهو الوجه الأخير وهو: أن الخلع هو الفرقة بعوض فمتى فارقها بعوض فهي مفتدية لنفسها به وهو خالع لها بأي لفظ كان ولم ينقل أحد قط لا عن ابن عباس وأصحابه ولا عن أحمد بن حنبل أنهم فرقوا بين الخلع بلفظ الطلاق وبين غيره؛ بل كلامهم لفظه ومعناه يتناول الجميع.

والشافعي رضي الله عنه لما ذكر القولين في الخلع هل هو طلاق أم لا؟ قال: وأحسب الذين قالوا هو طلاق هو فيما إذا كان بغير لفظ الطلاق؟ ولهذا ذكر محمد بن نصر والطحاوي أن هذا لا نزاع فيه والشافعي لم يحك عن أحد هذا؛ بل ظن أنهم يفرقون. وهذا بناه الشافعي على أن العقود وإن كان معناها واحدا فإن حكمها يختلف باختلاف الألفاظ. وفي مذهبه في نزاع في الأصل وأما أحمد بن حنبل فإن أصوله ونصوصه وقول جمهور أصحابه أن الاعتبار في العقود بمعانيها لا بالألفاظ وفي مذهبه قول آخر: أنه تختلف الأحكام باختلاف الألفاظ وهذا يذكر في التكلم بلفظ البيع وفي المزارعة بلفظ الإجارة وغير ذلك. وقد ذكرنا ألفاظ ابن عباس وأصحابه وألفاظ أحمد وغيره وبينا أنها بينة في عدم التفريق. وأن أصول الشرع لا تحتمل التفريق وكذلك أصول أحمد. وسببه ظن الشافعي أنهم يفرقون. وقد ذكرنا في غير هذا الموضع وبينا أن الآثار الثابتة في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس وغيره تدل دلالة بينة أنه خلع؛ وإن كان بلفظ الطلاق وهذه الفرقة توجب البينونة. والطلاق الذي ذكره الله تعالى في كتابه هو الطلاق الرجعي.

قال هؤلاء وليس في كتاب الله طلاق بائن محسوب من الثلاث أصلا بل كل طلاق ذكره الله تعالى في القرآن فهو الطلاق الرجعي. وقال هؤلاء: ولو قال لامرأته: أنت طالق طلقة بائنة لم يقع بها إلا طلقة رجعية؛ كما هو مذهب أكثر العلماء؛ وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه. قالوا: وتقسيم الطلاق إلى رجعي وبائن تقسيم مخالف لكتاب الله وهذا قول فقهاء الحديث وهو مذهب الشافعي وظاهر مذهب أحمد؛ فإن كل طلاق بغير عوض لا يقع إلا رجعيا وإن قال: أنت طالق طلقة بائنة أو طلاقا بائنا: لم يقع به عندهما إلا طلقة رجعية. وأما الخلع ففيه نزاع في مذهبهما. فمن قال بالقول الصحيح طرد هذا الأصل واستقام قوله ولم يتناقض كما يتناقض غيره؛ إلا من قال من أصحاب الشافعي وأحمد: إن الخلع بلفظ الطلاق يقع طلاقا بائنا فهؤلاء أثبتوا في الجملة طلاقا بائنا محسوبا من الثلاث فنقضوا أصلهم الصحيح الذي دل عليه الكتاب والسنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير