ـ[الضبيطي]ــــــــ[23 - 08 - 09, 01:53 ص]ـ
الحمد لله ربنا وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه وسلم
لا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر
فإنه جامع لجميع منازل السائرين، وأحوال العاملين، ومقامات العارفين.
وهو الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة، والتي بها فساد القلب وهلاكه.
فلو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها.
فإذا قرأه بتفكر حتى مر بآية وهو محتاج إليها في شفاء قلبه كررها ولو مائة مرة، ولو ليلة.
فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن.
وهذه كانت عادة السلف يردد أحدهم الآية إلى الصباح.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بآية يرددها حتى الصباح وهي قوله تعالى: " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ".
فقراءة القرآن بالتفكر هي أصل صلاح القلب
ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا تهذوا القرآن هذّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، لا يكن هَمُّ أحدكم آخر السورة
وروى أبو أيوب عن أبي جمرة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث. قال: لأن أقرأ سورة من القرآن في ليلة، فأتدبرها، وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كما تقرأ.
والتفكر في القرآن نوعان:
تفكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه، وتفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه.
فالأول تفكر في الدليل القرآني، والثاني تفكر في الدليل العياني.
الأول تفكر في آياته المسموعة، والثاني تفكر في آياته المشهودة.
ولهذا أنزل الله القرآن؛ ليتدبر، ويتفكر فيه، ويعمل به. لا لمجرد تلاوته مع الإعراض عنه.
قال الحسن البصري رحمه الله: أُنزل القرآنُ؛ ليعمل به. فاتخذوا تلاوته عملا.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين
ـ[الضبيطي]ــــــــ[24 - 08 - 09, 07:04 م]ـ
كلام عظيم لابن القيم في فائدة التفكر والتدبر
لو قدم لرجل طعام في غاية الطيب واللذة، وهو شديد الحاجة إليه، ثم قيل له: إنه مسموم، فإنه لا يقدم عليه؛ لعلمه بأن سوء ما تجنى عاقبة تناوله تربو في المضرة على لذة أكله.
فما بال الإيمان بالآخرة لا يكون في قلبه بهذه المنزلة!
ما ذاك إلا لضعف شجرة العلم والإيمان بها في القلب، وعدم استقرارها فيه.
وكذلك إذا كان سائرا في طريق، فقيل له: إن بها قطاعا ولصوصا. يقتلون من وجدوه، ويأخذون متاعه. فإنه لا يسلكها إلا على أحد وجهين: إما أن لا يصدق المخبر، وإما أن يثق من نفسه بغلبتهم وقهرهم والانتصار عليهم، وإلا فمع تصديقه للخبر تصديقا لا يتمارى فيه وعلمه من نفسه بضعفه وعجزه عن مقاومتهم، فإنه لا يسلكها.
ولو حصل له هذان العلمان فيما يرتكبه من إيثار الدنيا وشهواتها لم يقدم على ذلك فعلم إن إيثاره للعاجلة وترك استعداده للآخرة لا يكون قط مع كمال تصديقه وإيمانه أبدا
الحالة الثانية أن يتيقن ويجزم جزما لا شك فيه بأن له دارا غير هذه الدار ومعادا له خلق، وأن هذه الدار طريق إلى ذلك المعاد ومنزل من منازل السائرين إليه.
ويعلم مع ذلك أنها باقية، ونعيمها وعذابها لا يزول، ولا نسبة لهذا النعيم والعذاب العاجل إليه إلا كما يدخل الرجل إصبعه في اليم، ثم ينزعها فالذي تعلق بها منه هو كالدنيا بالنسبة إلى الآخرة.
فيثمر له هذا العلم إيثار الآخرة وطلبها والاستعداد التام لها، وأن يسعى لها سعيها.
قال الله تعالى: " إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ".
وقال تعالى: " إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ".
ويسمى التفكر تدبرا؛ لأنه نظر في أدبار الأمور، وهي أواخرها وعواقبها. ومنه تدبر القول وقال الله تعالى: " أفلم يدبروا القول " وقال تعالى: " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ".
¥